فيقص الله على رسوله والمؤمنين معه قصة من أعظم وأحسن القصص، تتوالى أحداثها من بداية السورة، فتنتقل بك الآيات من حدث إلى حدث ومن مرحلة إلى مرحلة، في أسلوب معجز لا تشعر فيه بنَبْوة، ولا تحتاج القصة إلى أن تقسم إلى فصول ومشاهد، وإنما تنساب أحداثها كالماء العذب في جدوله رقراقًا صافيًا، إلى أن تصل إلى قبيل نهاية السورة في هذا الدعاء الخاشع من عبد الله ونبيه يوسف -عليه السلام- ذلكم حيث يقول:{رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ}(يوسف: ١٠١).
وتعقيبًا على هذه القصة التي تفرغت السورة لعرضها، ولم تتحدث عن قصة أخرى، تأتي الدروس المستفادة والتي يوجزها القرآن في عشر آيات، بعد أن ذكر القصة في حوالي مائة آية، وفي بداية هذه الدروس إثبات أن هذا القرآن من عند الله، وأن محمدًا -صلى الله عليه وسلم- هو رسول الله حقًا. يقول تعالى:{ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ}(يوسف: ١٠٢).
وهذا هو الذي يعرف في وجوه إعجاز القرآن بالإعجاز الغيبي، أي: إخبار القرآن بأمور غيبية لا سبيل لمعرفتها إلا عن طريق إخبار الله لرسوله بها، ومنها أحداث قصة يوسف وما كان من أمره مع أبيه وإخوته إلى أن نجاه الله واصطفاه، وثاني هذه الدروس ما كان يحمله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من حب لبني الإنسان، وحرص على هدايتهم، وما كان يشعر به من حزن وألم؛ لعدم إيمانهم مع أنه جاء بالحق الذي لا يرفضه إلا معاند ومكابر.
وقصة يوسف التي جاء بها الوحي معجزة، شأنها شأن آيات القرآن في ألفاظها وسردها وأحداثها، وما تحمله من دقائق الأخبار، وما تذكره من خلجات