اقرءوا مرة أخرى في مادة القصص القرآني، ما جاء في سورة "آل عمران" من قول الله تعالى: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ}(آل عمران: ٦٢، ٦٣).
والآية كما نرى تأتي تعقيبًا على ما كان بين رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبين أهل الكتاب من نقاش في عيسى -عليه السلام- وأن الله سبحانه وتعالى أوحى إلى رسوله أن يقول لهم ما ذكره ربنا -جل وعلا- في كثير من آيات القرآن، وأكد عليه هنا في سورة "آل عمران" ذلكم حيث يقول ربنا: {ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَليْكَ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ * إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ * الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ}(آل عمران: ٥٨ - ٦٠).
ثم دعاهم إلى المباهلة:{فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ}(آل عمران: ٦١) أي: فمن حاجك في عيسى -عليه السلام- وأن عيسى هو عبد الله ورسوله، {فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ}(آل عمران: ٦١) فدعاهم إلى المباهلة فنكصوا على أعقابهم، وعلموا أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صادق فيما أخبر عن ربه، ولذلك قال ربنا تعقيبًا على هذه المباهلة، وما جاء من حديث القرآن عن آل عمران، وعما كان من أمر مريم، وعما كان من أمر حملها بعيسى -عليه السلام- وما آتاه الله من الآيات المبينات، وأنه جاء مصدقًا لما بين يديه من التوراة، يقول تعالى تعقيبًا على هذه القصة العظيمة:{إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ}(آل عمران: ٦٢).
نعم؛ هذا قصص القرآن هو القصص الحق، لا مجال فيه لخيال ولا مجال فيه لكذب، ولا مجال فيه لافتراء، إنما هو وحي الله الذي أوحاه لنبيه؛ لتحقيق أغراض عظيمة وأهداف نبيلة، فيها بناء الإنسان وتثبيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتطمين قلبه.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.