من آيات الله، كان السؤال: وماذا كان من أمرهم؟ فجاءت الإجابة:{إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ}(الكهف: ١٠)
أي: اذكر هذا الذي حدث لما فيه من العبرة والعظة، وقد سماهم ووصفهم بأنهم فتية، فدل ذلك على أنهم كانوا في مرحلة الشباب، فالتعبير بقوله:{أَوَى}، ما يرشدك إلى أن الكهف مع ظلمته وضيقه وبعده عن العمران، وخلوه من كل ألوان الترف والنعيم، كان بالنسبة لهم مأوى ضمهم فأحسوا فيه بالراحة والسكينة، وما إن استقروا فيه حتى توجهوا إلى ربهم بهذا الدعاء الضارع: ربنا آتنا من لدنك رحمة ترحمنا بها، وتحفظنا من كيد أعدائنا، وتلهمنا بها رشدنا وتلم بها شعثنا، وترد بها الفتن عنا، وهيئ لنا من أمرنا رشدًا، أي: اجعل عاقبتنا خير عاقبة فيها الخير كله.
وقد كان من دعاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما تعلمون:((اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة، وتوفنا على الإسلام والإيمان وأنت راضٍ عنا)) فانظر إلى هذا الإيمان الذي استولى على قلوب هؤلاء الفتية، حتى جعلهم يتركون النعيم والمتع، ويلجئون إلى غار في الجبل، ويسألون الله أن يهب لهم رحمة من لدنه، وأن ييسر لهم أمرهم وأن يجعل عاقبتهم حميدة كريمة.
ثم يقول تعالى:{فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا}(الكهف: ١١) فدلت الفاء في قوله: {فَضَرَبْنَا}، على أنهم بمجرد دخولهم ناموا؛ لما بذلوه من جهد في الوصول إلى هذا المكان، الموحش البعيد عن العمران، وفي نومهم هذا ما يرشدك إلى ما وجدوه من السكينة وراحة النفس، لما كان منهم من انتصار على نفوسهم، وضعفها في مثل هذه المواقف، ولما ألهمهم الله من الهداية والتوفيق.