فهذا هو السر فيما فعل الخضر، كما أوضحته هذه الآيات الكريمة؛ إذ ذكر أن السفينة كانت لمساكين يعملون في البحر، وقد أخذ الأئمة من قوله تعالى:{أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ}(الكهف: ٧٩) أن المسكين هو الذي عنده أموال، ولكنها لا تكفي لنفقاته في الحلال، فهؤلاء لهم سفينة يمتلكونها، ومع ذلك سماهم مساكين.
لكن الموضوع الذي معنا إنما يدلنا على ما كلف به هذا العبد الصالح، مِن عمل طيب وعمل مبروك، وأن هذه السفينة كانت عرضة أن يغتصبها ملك ظالم، يأخذ كل سفينة صالحة، كما جاء ذلك عن ابن عباس، ولعلها ليست قراءة، وإنما هذا من باب التفسير.
إنما كان هذا الملك يأخذ كل سفينة تمر به غصبًا دون رضا أصحابها، حين يجد فيها عيبًا فسوف لا يأخذها، فكان أن انتزع الخضر منها لوحًا، مع أنه رأى أن هذا اللوح لن يؤدي إلى غرق السفينة، ولا إلى إغراق من فيها، ومع ذلك رأينا موسى يعترض على هذا الأمر، هؤلاء أناس قد حملوهما معهم، دون أن يأخذوا منهم أجرًا، فكيف يفعل الخضر بسفينتهم هذا الذي فعل، لكن السر كان أنه أراد أن يستنقذ هذه السفينة من هذا الملك الظالم، الذي يأخذ كل سفينة صالحة تمر عليه غصبًا.
أما الأمر الثاني فهو أمر الغلام، وأمر الغلام أيضًا أمر يدعو إلى العجب؛ لأن السفينة وما حدث فيها، وما كان يمكن أن يترتب على انتزاع اللوح منها، كل ذلك أمر مظنون، لكن موسى رأى الخضر وقد عمد إلى غلام من بين الغلمان، فأخذه واقتلع رأسه فقتله، موسى لما رأى ذلك كما رأينا قال: بأنك قد فعلت أمرًا منكرًا، وأمرًا لا سكوت عليه، وهنا أوضح له السر أن هذا الغلام كان أبواه مؤمنين، أما هذا الغلام فهو سوف يكون كافرًا، بهذا وعلى هذا أطلعه علام الغيوب: