والأقلام التي تسطِّر إنما تسطر ما وصل إليه الفكر والعقل من بحث وتجربة، وقد أثبت التاريخ أنه لا مكان لأمة جاهلة بين الأمم، ومع أدوات العلم هناك الأخلاق، والتي تسلّم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذراها، وأمته مكلفة بالاقتداء به، فإذا اجتمع لها العلم والأخلاق المبنية على الإيمان بالحقّ سادت وسعدت، وهذا ما تحقق -كما تعلمون- في الرعيل الأول، الذي حمل لواء الحق والعدل والخير والحب والسلام، فرفرف به في كل مكان من أرض الله.
ولهذا جاء التهديد للمكذبين المعاندين {فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ * بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ}(القلم: ٥، ٦) أي بظهور عاقبة الأمر بغلبة الإسلام وانقلابهم أذلة صاغرين، وما كان للإسلام أن يظهر على الكفر والمسلمون جهلة لا علم لهم بدين أو دنيا، وما كان لهم أن يسودوا وتعلو كلمتهم، ويلتف الناس حولهم وهم أصحاب أخلاق وبيئة وصفات ذميمة، ولهذا جاء قوله:{إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}(القلم: ٧) شهادة للمؤمنين المهتدين، وتهديدًا للمعاندين الضالين، ومن منطلق القوة في العقيدة والخلق وحسن الصلة بالله، والتمكن من الحق، يأتي التوجيه القرآني لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- والمؤمنون تبع له:{فَلَا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ * وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ}(القلم: ٨، ٩) أي: لا تطعهم فيما يدعونك إليه من التنازل عن دعوتك، وفي مهادنتهم وتركهم في عبادتهم الباطلة، وهم مستعدون لذلك {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ}(القلم: ٩).
والآية حَدّ فاصل بين الكفر والإيمان، وأنه لا التقاء بينهما، وما كان لأصحاب الدعوة أن يغمضوا أعينهم عن الباطل وأهله إيثارًا للسلامة، وبعدًا عن وعورة الطريق، إنما هناك الحق الواضح الذي لا يقبل التنازل، وتأكيدًا لهذا المعنى في عدم الانقياد والرضوخ للمكذبين يأتي النهي عن الانقياد لقادة الضلال منهم،