وينفعل، واقرءوا إن شئتم قول الله تعالى:{وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ}(الزمر: ٢٧) ويقول: {وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ}(إبراهيم: ٢٥) فبيّن في هذه الآية والتي بعدها، أنه سبحانه ضرب للناس في هذا القرآن من كل مثل؛ ليكون في ذلك ذكرى لمن يتذكرون، وعبّر بالمضارع {يَتَذَكَّرُونَ} ليدلَّ على تجدد هذا التذكر؛ ليكون مواكبًا لمسيرة الإنسان في هذه الدنيا، فيبقى على صلة دائمة بربه.
ويقول ربنا:{وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ}(العنكبوت: ٤٣) فأوضح أنه يضرب الأمثال يستمع إليها الناس جميعًا، لكن لا يستفيدوا منها ولا يعقلوها، ويدركوا مراميها، إلّا من آتاه الله العلم النافع والبصيرة المهتدية بنور الحق، ويقول:{وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}(الحشر: ٢١) قال هذا بعد قوله في صدر الآية: {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ}(الحشر: ٢١) فضرب بذلك مثلًا لما للقرآن من تأثير في الجمادات، والأولى بهذا التأثر الإنسان العاقل، ولكنّ الأمر يحتاج إلى إجالة الفكر، وعمق النظرة للاهتداء إلى سبل الرشاد، ولو تفكر الإنسان وتدبّر؛ لعلم أن سبيل ذلك هو القرآن العظيم، وهو عصمة لمن تمسَّك به، ونجاة لمن اهتدى بهديه.
ولعلنا لاحظنا التعبير بـ"لعلّ" في قوله: {لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ}(البقرة: ٢٢١)، {لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}(الأعراف: ١٧٦) والتعبير بذلك يدل على أنّ هذا أمر سهل الحصول؛ لأن "لعلّ" كما علمتم في لغتنا العربية حرف ترج، بخلاف ليت فهي للتمني، والترجي إنما يكون في الأمر القريب الحصول، السهل الوقوع، والتمني في الأمر الذي يصعب تحقيقه، كما في قول الشاعر:
ليت الكواكب تدنو لي فأنظمها ... عقود مدح فما أرضى لكم كلمي