ببريقه مشوا خطوات، وإذا أظلم عليهم وقفوا، وما علموا أن الله محيط بهم، وأنه لو شاء لذهب بسمعهم وأبصارهم، إن الله على كل شيء قدير.
هذا هو المثل الذي ضربه الله لهؤلاء المنافقين في شكِّهم وترددهم، ومطابقة المثل لما هم فيه وعليه واضحة، فهؤلاء القوم جاءوا كغيرهم إلى هذه الدنيا، فنشئوا في بيئة جاهلية تعبد الأصنام والأوثان، وبينما هم كذلك إذ جاءهم رسول كريم ونبي عظيم، هو محمد -صلى الله عليه وسلم- يدعوهم إلى الله الواحد الأحد، ويطلب منهم أن يؤمنوا به وبرسالته وما جاء به، ومعه -صلى الله عليه وسلم- من قوة الحجة ونصاعة الدليل ما يقنع العقل والقلب، فاستولت أدلة القرآن على عقولهم، وهذا هو البرق الذي يكاد يخطف أبصارهم، ولكنهم ينتكسون ويرجعون ويتوقفون ويعودون إلى الكفر، وهذا هو قوله:{يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ}(البقرة: ١٩).
أما قوله:{كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا}(البقرة: ٢٠) أي: وقفوا في مكانهم حائرين، فهذا هو القرآن الذي أوحاه الله لنبيه، شبّهه الله بالمطر والغيث الذي يحيي به موات القلوب، كما تحيي الأمطار الأرض الميتة بإذن ربها، فيه وعد ووعيد، وترغيب وترهيب، وهذه هي ظلماته ورعده وبرقه، يسمع المنافقون آياته تبرق تحذيرًا وتخويفًا، وتهجر بيانًا وحججًا، فينصرفون عن ذلك، ومثالهم كمن {يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ}.
وفي المثل يمتزج الممثَّل بالممثَّل به، مع الوعيد والتهديد الذي تراه في ختام الآيتين، {وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ * وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}(البقرة: ١٩، ٢٠).