{تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ}(الإسراء: ٤٤) ومن المعلوم أنّ الحصى سُمِعَ تسبيحه في يد المصطفى صلى الله عليه وسلم، وأن الجذع حنَّ إليه -عليه الصلاة والسلام.
وقال -عليه الصلاة والسلام- في جبل أحد:((أحد جبل يحبنا ونحبه))، ولذلك ذكر في الآية ما عليه الحجارة من انقياد لأمر الله فقال:{وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ}(البقرة: ٧٤) ثم قال مهددًا ومتوعدًا: {وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ}(البقرة: ٨٥).
وهذا مثال آخر لعدم فهم اليهود، يقول فيه ربنا:{مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}(الجمعة: ٥) فقد شبههم بالحمار الذي يحمل الكتب من مكان إلى مكان، فهل يدرك الحمار شيئًا مما في هذه الكتب التي على ظهره، وهذا هو حال اليهود، كلفهم الله بالعمل بما في التوراة، وكم في التوراة من هدى ومن نور، فقرءوها وعلموا ما فيها، ولما رأوا أنها تقف في وجه شهواتهم وتمنعهم من أكل الحرام، غيروا فيها وبدلوا وحرفوها وكتموا منها ما يتعارض مع مصالحهم، فلم يستفيدوا منها شيئًا، شأن الحمار الذي يحمل على ظهره الأسفار، وما أشنعه من مَثَل، ولذلك قال تعالى:{بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}(الجمعة: ٥).
وهذا رجل من اليهود، باع دينه بدنياه، فضرب الله له مثلًا شنيعًا؛ إذ شبهه بالكلب، إن تحمل عليه يلهث، وإن تتركه يلهث، فقال تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ