وكان رسول الله محمد -صلى الله عليه وسلم- أفصح العرب، وقد أوتي جوامع الكلم، مع أنه لم يجلس لمعلم، إنما علمه ربه، كما قال -جلّ وعلا-: {وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا}(النساء: ١١٣) ومن يقرأ في كتاب الله جدال الأنبياء للمعاندين لهم والمكذبين برسالتهم، يرى كيف كان هؤلاء الأنبياء أعلى الناس قدرًا في قوة حجتهم وحسن منطقهم، وسعة مداركهم، والمقام لا يتسع لعرض ألوان من هذه المجادلات، وما فيها من دروس نافعة للدعاة، ولكلِّ نبي صولات وجولات مع قومه، حتى أفحموا الخصوم، ولم يبق لدى هؤلاء إلّا اللجاج والعناد.
فأنت تقرأ على سبيل المثال ما كان من حوار وجدال بين إبراهيم -عليه السلام- والنمروذ، وما صار إليه أمر هذا المعاند المكابر، وأنه لم يستطع أن يحير جوابًا، كما قال تعالى:{فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}(البقرة: ٢٥٨)، كما نقرأ ما ذكره الله من أدلة ساقها إبراهيم لعبدة الكواكب، إلى أن ختمت الآيات بقوله تعالى:{وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ}(الأنعام: ٨٣) وما إلى ذلك مما ربما نذكره حين نتحدث عن إبراهيم -عليه السلام.