مقتنع به، فإن وجد فرصة للانقضاض على من أكرهه لم يضيعها، ولهذا لم يذكر التاريخ أن الإسلام حين فتح بلدًا في أرض الله أكره أبناءها على الدخول فيه، إنما وجه دعوته وانطلق المسلمون في أدب وعلم ووقار وحب ورحمة وعدل، يدعون الناس إلى دينهم، فدخلت شعوب الأرض في دين الحق طواعية واختيارًا، بل وحملت بعد إسلامها رايته، وجاهدت لإعلاء كلمته واستنارت بنوره.
كما أن الداعية يلزمه أن يكون قويّ الثقة بربه، وهذه الصفة وثيقة الصلة بالإيمان، وكلما ربا الإيمان في القلب كلما ازداد الداعية ثقة بربه، فلا يرجو من أحد دنيا يصيبها، ولا يخاف نقص رزق أو نقص أجل، وإذا كان من شأن المؤمن أنه يؤمن بأن الرزق والأجل مردّهما إلى الله، فإن الداعية أحوج ما يكون إلى تفعيل ذلك في نفسه ووجدانه، فهو خير من يعلم ويؤمن بقول الله تعالى:{اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}(الزمر: ٤٢)، وبقوله:{وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}(المنافقون: ١١) وبقوله: {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ}(النساء: ٧٨).
ويثق كل الثقة في قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والذي فيه:((أن الجنين إذا ما أتم أربعة أشهر أرسل الله له الملك، وأمره أن ينفخ فيه الروح، وأن يكتب أربع كلمات: رزقه وأجله وعمله وشقيًّا أو سعيدًا))، والناس من خلال قدر الله تعمل، وكل ميسر لما خلق له، وقال -صلى الله عليه وسلم-: ((والذي نفسي بيده، لن تموت نفس حتى تستوفي رزقها وأجلها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب))، وإحساس الداعية بذلك يكسبه ثقة عظيمة في ربه، فيكتسب بذلك صفة أخرى وهي العزة، والله