وهذا الاصطفاء اختيار من الله لمن ذكرهم -جلّ وعلا- لحكم يعلمها سبحانه، ومن اصطفاهم واستخلصهم من خلقه، أحاطهم برعايته وعنايته، حتى جعلهم أهلًا لحمل رسالته، فكان من أوائلهم بعد آدم نوح -عليه السلام-، بل إنه أول رسول أرسله الله لأهل الأرض، ولذلك جاء في حديث الشفاعة أن الناس في موقف الحساب يأتون آدم فيقولون:((يا آدم، أنت أبو البشر؛ خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه، وأمر الملائكة فسجدوا لك، وأسكنك الجنة، ألا تشفع لنا إلى ربك، ألا ترى ما نحن فيه وما بلغنا؟ فيقول: رب قد غضب غضبًا شديدًا، لم يغضب قبله مثله ولا يغضب بعده مثله، ونهاني عن شجرة فعصيت، نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى نوح، فيأتون نوحًا فيقولون: يا نوح، أنت أول الرسل إلى أهل الأرض، وسماك الله عبدًا شكورًا، ألا ترى ما نحن فيه، ألا ترى إلى ما بلغنا، ألا تشفع لنا إلى ربك -عز وجل؟ فيقول: رب قد غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله، ولا يغضب بعده مثله، نفسي نفسي ... ))، إلى آخر الحديث الذي رواه البخاري.
وفي سورة "النساء" يذكر الله نوحًا في جملة من أوحى إليهم بوحيه فيقول: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا}(النساء: ١٦٣).
والمقصود من الآية: إثبات صدق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيما بلّغ عن ربه، وأنه ليس بدعًا من الرسل، فتاريخ الإنسانية كما يعلم كل إنسان شاهد بأن الله أرسل رسلًا وأنزل كتبًا، كما قال في هذا الموضع تعقيبًا على ما ذكر من هؤلاء الرسل:{رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ}(النساء: ١٦٥)، فكان نوح أول رسول يذكر في سلسلة موكب الأنبياء.