ولا تنبت كلأ، فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به، فعلم وعلّم، ومثل من لم يرفع بذلك رأسًا، ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به)) متفق عليه.
بعد أن ذكر هذا كأن سائلًا سأل فقال: هل من أمثلة من الأمم التي أرسل الله لها الأنبياء، فاستجاب لهم من استجاب وكفر بهم من كفر، فقال تعالى:{لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ}(هود: ٢٥) فذكر قصته وما بعدها من هذا القصص العظيم، وفي الآيات التي ذكرت ما كان من أمر نوح على وجازتها، تلمح معالم دعوته وإلى ما دعا وكيف دعا، فأنت ترى في التعبير القرآني {لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا}(المؤمنون: ٢٣) أنّ هذا التعبير يذكَر في عدة مواضع هنا في "الأعراف"، وفي "هود"، وفي "المؤمنون"، وفي "العنكبوت"، وفي "الحديد"، وأخيرًا في مطلع سورة "نوح"، وفي هذا التعبير ترى اللام الموطئة للقسم، وقد، وذلك لتحقيق وقوع ذلك، وفيه أيضًا إسناد الإرسال إلى ضمير المعظم لنفسه: أرسلنا، مما يدل على عظمة المرسِل وهو الله، المتصف بصفات الجلال والكمال.
وهذا أول معلم في معالم الدعوة، ألا وهي الاستناد إلى قوة القوي العزيز، الذي اختار رسله وأرسلهم إلى أممهم، وهذا المعلم يجب أن يكون نورًا هاديًا للدعاة والمرسلين، حين يستعلون بالحق الذي معهم، والسند الذي يركنون إليه، فلا يهون الواحد منهم، ولا يذل، ولا يشعر بالانكسار والدونية، إنما يشعر بالعزة المستمدة من عزة الله، كما قال تعالى:{مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا}(فاطر: ١٠) وكما قال: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ}(المنافقون: ٨) وقد ذكرت هذا كما تعلمون في صفات الداعية ومسلكه في دعوته.