لهم غير الله، وعبادة الله التي أمرهم بها إفراده بالطاعة والمحبة والولاء والتعلق والخضوع، مما يقتضي التذلل في محرابه، والإقبال على طاعته، والالتزام بشريعته، والاقتداء بأنبيائه ورسله.
وقد قدم نوح كغيره من الأنبياء هذه الدعوة مشفوعة بدليلها، ودليلها في قوله لهم:{مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ}؛ لأن غيره لا يصلح أن يكون إلهًا، فالإله كلمة مأخوذة من وَلِهَ إذا تحير، والوله استيلاء الحب على قلب المحب وعقله وفؤاده، أو الإله من أله إلى فلان، أي: سكن إليه واطمأن، أو من أله إليه إذا فزع من أمر نزل به، وآلهه غيرهم إذا أجارهم، فهل تستطيع ذلك أصنامهم التي يعبدونها من دون الله، وهي أحجار نحتوها بأيديهم وناصبوها واعتقدوا أنها وسائط تقربهم إلى الله زلفى، فلو تأملوا أدنى تأمل لعلموا أن الخالق الرازق، المحيي المميت، من بيده ملكوت السموات والأرض، هو الإله المستحق للعبادة دون غيره، وهو الإله الذي يجدر أن تتعلق به القلوب، وأن تسكن إليه وتطمئن، ومن يجيب المضطر إذا دعاه.
ومن العجيب أنهم يعلمون ذلك ولا ينكرون ربوبيته، فهو ربهم، ولكنهم يرفضون ألوهيته فلا يتألهون له، إنما يتجهون بعبادتهم وحياتهم إلى غير الإله الحق، وهذا الذي بدأ به نوح دعوته هو الأساس الذي يشاد عليه البناء، وهو البداية التي تؤدي إلى حياة كريمة في الدنيا والآخرة، ولذلك أتى كل نبي ورسول يرُدّ أمته إلى هذا الطريق، ويدعوهم إلى عبادة الله وحده، كما قال تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ}(الأنبياء: ٢٥) فهو اعتقاد يترتب عليه عمل، اعتقاد في الله ربًّا وإلهًا، وعمل يتمثل في العبودية لله.