يتوانى ولا يتوقف عن تبليغهم ونصحهم وبيان ما أعطاه الله من علم به مما لا يعلمون.
ويواصل نوح -عليه السلام- تبليغ رسالة ربه، فيسألهم سؤال إنكار وتعجب ليردهم إلى رحاب دين الله فيقول:{أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}(الأعراف: ٦٣)، فهذه دعوة منه إلى العودة إلى الله، يعرضها في هذا الأسلوب الرائع وبهذا المنهج القويم؛ إذ بعد أن بيّن لهم أنه رسول من رب العالمين، يبلغهم رسالات ربه، وينصح لهم، ويعلم من الله ما لا يعلمون، فهو خائف عليهم لما يعلمه من شدة أخذ الله للظالمين، ومن رحمته بالمؤمنين، بعد ذلك أخذ يعاتبهم متعجبًا من حالهم، ومنكرًا عليهم رفض هذا الخير، الذي جاءهم سهلًا ميسورًا من فيض عطاء الله وفضله، وهذا ما دل عليه قوله:{جَاءَكُمْ}، والذي جاءهم ذكر من ربهم، فهي الربوبية إذن بما فيها من الرفق بالعباد، وعدم تركهم هملًا لا يعرفون لهم ربًّا وإلهًا، فتتخطفهم الشياطين، فتضلهم عن السبيل.
ووصف ما أوحاه إليه بأنه ذكر؛ ليقول بأن ما أوحاه الله إليه جاء تذكيرًا وموعظة بليغة ترشدهم إلى الطريق الأقوم والحياة الأكرم، وهل جاء الرسل إلّا ليذكروا الناس بربهم، فإن الفطرة الإنسانية تعرف خالقها، كما جاء في الحديث:((ما من مولود إلا يولد على الفطرة، وإنما أبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجِّسانه)) الحديث، وفي الحديث القدسي:((إني خلقت عبادي حنفاء فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم)) أي: حوّلتهم بقوة إلى طريق الكفر بالله.
وهذه الهدية الغالية -وهي وحي الله- صادرة من ربهم على رجل منهم، يعرفونه ويعرفون نسبه وشرفه فيهم، وما له من أخلاق فاضلة وصفات عالية، وهذا الرجل جاء لهم بإذن من الله ينذرهم، والإنذار قول مصحوب بالتخويف