في الله حين أمره بالخروج عنهم، وما أمره به من الضيافة والصبر عليها بنفسه وماله، وما ابتلي به من ذبح ابنه حين أمره بذبح، فلما مضى على ذلك من الله كله، وأخلصه للبلاء قال الله له: أسلِم قال: أسلمت لرب العالمين، على ما كان من خلاف الناس وفراقهم". وكل أمر من هذه الأمور كما ترون فيه من مشقة الصبر عليه الكثير، وبخاصة في قوم لا يؤمنون بالله واليوم الآخر.
وذكر ابن كثير عن ابن عباس أقوالًا أخرى، فيها أنه أمر بأمور يخالف فيها ما كان عليه قومه، وفعل ما يخالف عادات الناس ليس بالأمر الهين، فلما أسلم إبراهيم نفسه لله رب العالمين، كما قال تعالى:{إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ}(البقرة: ١٣١) كان جديرًا باختيار الله له إمامًا وخليلًا. قال:{إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا}(البقرة: ١٢٤)، ومن شدة محبة إبراهيم للخير رغب في امتداد هذا الاصطفاء لذريته، ولذلك قال:{وَمِنْ ذُرِّيَّتِي}(البقرة: ١٢٤) قال الله له: {لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ}(البقرة: ١٢٤).
وذرية إبراهيم: إسماعيل وإسحاق، ومن تناسل منهما إلى يوم القيامة، وإذا كان الله قد أكرم إبراهيم، وجعل كلًّا من ولديه نبيًّا، فإن من بعدهما من ذرية إبراهيم، كان منهم الصالح والطالح. قال تعالى بعد أن ذكر قصة رؤيا إبراهيم، وأنه يذبح ولده إسماعيل، إلى أن مَنّ الله عليه بفداء إسماعيل، وبشره بإسحاق نبيًّا من الصالحين قال:{وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ}(الصافات: ١١٣).
وهذا الذي سأله إبراهيم منهج في الدعوة إلى الله، أن يكون الداعية في نفسه وفي ولده مثالًا لطاعة الله، وأن يسأل الله أن يمن على أبنائه وذريته بالهداية والتوفيق، ولذلك لما استجاب إبراهيم لأمر ربه، ورحل بهاجر ووليدها إسماعيل إلى مكة،