طَغَى * فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى * قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى * قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} (طه: ٤٢ - ٤٦) وقد ذكر الله مثل ذلك في سورة "الشعراء" وسورة "القصص"، فلم يتمكن فرعون ولا أحد من جنده من الاعتداء عليهما.
والآيات ترسم مشهدًا رائعًا، وتصور حروفها وكلماتها ثبات موسى وقدرته على الحوار، وترسم صورة لفرعون حائرًا لا يجد جوابًا، وموسى ينتقل به من دليل إلى دليل، حتى جاء بالآية الكبرى التي أذهلت فرعون وملأه، حين ألقى موسى عصاه، والتي هي ككل العصي في يد موسى عودًا من خشب، يتوكأ عليها ويهش بها على غنمه، إلى غير ذلك مما تستعمل فيه العصا، فألقاها فإذا هي حية عظيمة مخيفة، تجري على الأرض هنا وهناك فاغرة فاها، مما أثار ذعر فرعون ومن معه، ومد موسى يده فأمسك بها فعادت عصًا كما كانت من قبل.
وأتبع موسى هذه المعجزة بمعجزة أخرى، إذ أخرج يده والتي هي يد ككل الأيدي، يحركها صاحبها حيث شاء، فما إن نزعها من جيبه حتى أضاءت المكان كله. يقول مجاهد:"كان موسى إذا أدخل يده في جيبه ثم أخرجها تخرج تتلألأ كأنها فلقة قمر". وقال الحسن البصري:"أخرجها والله كأنها مصباح". وقد روى ابن أبي حاتم عن وهب بن منبه:"قال الله لموسى: انطلق برسالتي فإنك بسمعي وعيني، وإن معك تأييدي ونصري، وإني قد ألبستك جنة من سلطاني لتستكمل بها القوة في أمري، فأنت جند عظيم من جندي، بعثتك إلى خلق ضعيف من خلقي، بَطِر نعمتي وأمِن مكري وغرته الدنيا عني، حتى جحد حقي وأنكر ربوبيتي، وزعم أنه لا يعرفني". إلى آخر ما ورد في ذلك.
لكن فرعون استكبر عن الحق وادعى أن ما رآه سحر، واستشار الملأ من قومه، فما كانوا له ناصحين، إنما أعانوه على بغيه وطغيانه، وأشاروا عليه أن يجمع السحرة