دعوة عيسى، لنرى كيف دعا هذا النبي لدين الله، فيتعلم الدعاة فن الدعوة إلى الله، وقد ذكر الله عيسى في "البقرة" كما قلنا ثلاث مرات، وفيها أن الله آتاه البينات وأيده بروح القدس، كما ذكر أنه في جملة الأنبياء الذين يجب الإيمان بهم، وبما أوحاه الله إليهم، وأن على المؤمنين من أصحاب محمد أن يقولوا ذلك لأهل الكتاب.
وفي "آل عمران" يأتي الحديث عن مريم واصطفاء الله لها، وما كان من بشارة الله لها بعيسى، وما حملته هذه البشارة من صفات عالية لوليدها، وأنه سيكون وجيهًا في الدنيا والآخرة ومن المقربين، ويكلم الناس في المهد وكهلًا ومن الصالحين، وأن الله سيعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل، وسيكون رسولًا إلى بني إسرائيل، فما أعظمها من بشارات!.
ولما ذكر الله أن عيسى سيكون رسولًا لبني إسرائيل، قدم لنا نموذجًا من دعوته، وانتقل الحديث من بيان صفات عيسى إلى ما سيقوله عيسى لبني إسرائيل، فقد بدأ دعوته بإعلان أنه رسول الله إليهم، كما ذكر الله ذلك في سورة "الصف" فقال: {وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ}(الصف: ٦).
وقد يحتاج الرسول لمعجزة تثبت لقومه أنه رسول من الله إليهم، وإنما أقول: قد يحتاج الرسول لذلك؛ لأن كثيرًا من الرسل الذين ذكرهم الله، لم يذكر أنهم أتوا بمعجزات، فقد ذكر الله آدم ونوحًا وهودًا وشعيبًا وإسماعيل وإسحاق ويعقوب وداود وسليمان وأيوب ويوسف، وزكريا ويحيى وإلياس واليسع ويونس ولوطًا، ولم يذكر أن واحدًا منهم كانت له معجزة.
والطوفان الذي أهلك الله به من أهلك لا يقال بأنه معجزة، كما أن ما كان من عطاء الله لداود وابنه سليمان لا يدخل في المعجزات، لكن ما كان من أمر