كان معه فضل ظهر، فليعُد به على من لا ظهر له)) أي: من كان معه مركوب فاضل عن حاجته فليعد به على من لا ظهر له، ((ومن كان له فضل من زاد فليعد به على من لا زاد له))، يقول أبو سعيد فذكر من أصناف المال ما ذكر حتى رأينا أنه لا حق لأحد منا في فضل. وتخيَّلوا لو أن المسلمين فعلوا هذا فأخرج كل مسلم ما زاد عن حاجته، لعلكم معي في أنه لن يبقى معنا وبيننا فقير أو مسكين أو محتاج.
ويذكر عن سهل بن سعد -رضي الله عنه-: ((أن جاءت امرأة جاءت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ببردة منسوجة فقالت: نسجتها بيدي لأكسوكها، فأخذها النبي -صلى الله عليه وسلم- محتاجًا إليها، فخرج إلينا وإنها لإزاره فقال فلان: اكسنيها ما أحسنها! قال: نعم، فجلس النبي -صلى الله عليه وسلم- في المجلس ثم رجع فطواها، ثم أرسل بها إليه، فقال له القوم: ما أحسنها! لبسها النبي -صلى الله عليه وسلم- محتاجًا إليها، ثم سألته وعلمت أنه لا يردّ سائلًا، فقال: إني والله ما سألته لألبسها، إنما سألته لتكون كفني. قال سهل: فكانت كفنه)) رواه البخاري. وفي هذا الحديث نعرف ويتبين لنا مدى ما كان عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من إيثار أصحابه على نفسه، وأنه وإن كان محتاجًا إلى الشيء لكنه إن طُلب منه أعطاه لمن طلبه، وأيضًا هذا الحديث يُبيّن حب الصحابة وتعلق الصحابة برسول الله -صلى الله عليه وسلم.
ويختم الإمام النووي هذا الباب بحديث أبي موسى -رضي الله تعالى عنه- قال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن الأشعريين إذا أرملوا في الغزو، أو قل طعامهم عيالهم بالمدينة جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد، ثم اقتسموه بينهم في إناء واحد بالسوية، فهم مني وأنا منهم)) أي: فرغ طعامهم أو قارب على الفراغ حين ذاك يجمعون ما عندهم في ثوب واحد، أو في مكان واحد، ثم يقتسمون هذا فيما بينهم بالسوية. رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول:((فهم مني وأنا منهم)) وفي هذا من الإيثار ما فيه كما نرى.