وهذه الرتبة هي التي وصف الله تعالى المؤمنين به في قوله {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ}(الشورى: ٣٨)، وقد روي أن مسروقًا أدان دينًا ثقيلًا وكان على أخيه خيثمة دين قال: فذهب مسروق فقضى دين خيثمة وهو لا يعلم، وذهب خيثمة فقضى دين مسروق وهو لا يعلم، وهذه هي أخلاق السلف -عليهم رضوان الله-، ولعلنا نذكر أيضًا لما آخى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين عبد الرحمن بن عوف وسعد بن الربيع آثره بالمال والنفس، فقال عبد الرحمن:"بارك الله لك فيهما" فأثره بما آثره به، وكأنه قبله ثم آثره به، وذلك مساواة، والبداية إيثار، والإيثار أفضل من المساواة.
وقال أبو سليمان الداراني: لو أن الدنيا كلها لي فجعلتها في فم أخ من أخواني لاستقللتها له، واقتداء الكل في الحقيقة في الإيثار برسول الله -صلى الله عليه وسلم.
هذا بعض ما ذكره الإمام الغزالي في الحق الأول، وهو حق الأخوة في المال، وقد ذكرنا شيء مما قال.
أما الحق الثاني في الإعانة بالنفس في قضاء الحاجات والقيام بها قبل السؤال، وتقديمها على الحاجات الخاصة، وهذه أيضًا لها درجات كما للمساواة بالمال، فأدناها القيام بالحاجة عند السؤال والقدرة، ولكن مع البشاشة والاستبشار وإظهار الفرح وقبول المنة. قال بعضهم: إذا استقضيت أخاك حاجة فلم يقضها فذكره ثانية فلعله أنه قد يكون نسي، فإن لم يقضها فكبر عليه واقرأ عليه هذه الآية {وَالْمُوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللهُ}(الأنعام: ٣٦) قال جعفر بن محمد: إني لأتسارع إلى قضاء حوائج أعدائي مخافة أن أردّهم فيستغنوا عني، هذا في الأعداء، فكيف في الأصدقاء.