والأرحام وما إلى ذلك، وأخوة الإيمان من نرتبط معهم برابطة الدين، وهناك الأخوة في الله.
وقد سما الإسلام بهذه الألوان وبيَّن ما فيها من حقوق، وما فيها من معالم الإيثار، ولكننا نقف عند هذا النوع من الأخوة، وهو الأخوة في الإيمان والأخوة في الله لنقتطف بعض ما في حقوق هذه وتلك من معالم الإيثار في دين الله، وفي كتاب الله -عز وجل.
لقد وصل الإسلام في هذا التآخي إلى صور فاقة أحلام الفلاسفة وأصحاب المدن الفاضلة، وضرب أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- أروع الأمثلة في صدق هذه الأخوة، حتى لقد وجدنا في مجتمع المدينة لونًا من هذا الإخاء كان أعظم من إخاء النسب والرحم، به كان الأنصار والمهاجرون يتوارثون، ويتكافلون، ويتعاونون، واستحق الأنصار شهادة الفخار التي ما زالت تتردّد إلى يومنا هذا في سمع الزمان والتي ذكرناها في قول الله تعالى:{وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا}(الحشر: ٩) الآية.
فهؤلاء هم الأنصار الذين يُحبون من هاجر إليهم حبًّا جعلهم يقدون كل غالٍ ونفيسٍ في سبيل إخوانهم المهاجرين، حتى قال المهاجرون في الحديث الذي رواه أحمد عن أنس -رضي الله عنه-: ((يا رسول الله ما رأينا مثل قوم قدمنا عليهم أحسن مواساة في قليل ولا أحسن بذلًا في كثير، لقد كفونا المؤنة، وأشركونا في المهنأ، حتى لقد خشينا أن يذهبوا بالأجر كله، قال -صلى الله عليه وسلم- تطييبًا لخاطرهم: لا، ما أثنيتم عليهم ودعوتم الله لهم)) وهؤلاء الأنصار -كما نعلم- لا يشعرون بضيق في الصدور إذا ما وجدوا إخوانهم المهاجرين، وقد سبقوهم بالفضل والثناء من الله، والمهاجرون أهل لذلك حقًّا، فهم كما قال تعالى:{الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ}(الحشر: ٨).