قال معبد: نزلنا دار الكندي أكثر من سنة، نروّج له الكراء، ونقضي له الحوائج، ونفي له بالشرط. قلت: قد فهمت ترويج الكراء، وقضاء الحوائج. فما معنى الوفاء بالشرط؟ قال: في شرطه على السكان أن يكون له روث الدابة «١» ، وبعر الشاة ونشوار «٢» العلوفة، وألا يلقوا عظما، ولا يخرجوا كساحة «٣» . وأن يكون له نوى التمر، وقشور الرمان، والغرفة من كل قدر تطبخ للحبلى في بيته. وكان في ذلك يتنزّل عليهم؛ فكانوا لطيبه وإفراط بخله، وحسن حديثه، يحتملون ذلك.
قال معبد: فبينا أنا كذلك، إذ قدم ابن عمّ لي ومعه إبن له، وإذا رقعة منه قد جاءتني:«إن كان مقام هذين القادمين ليلة أو ليلتين، احتملنا ذلك. وإن كان إطماع السكان في الليلة الواحدة، يجرّ علينا الطمع في الليالي الكثيرة» . فكتبت إليه:«ليس مقامهما عندنا إلا شهرا أو نحوه» . فكتب إليّ:«إن دارك بثلاثين درهما، وأنتم ستة، لكل رأس خمسة، فإذا قد زدت رجلين، فلا بد من زيادة خمستين. فالدار عليك من يومك هذا بأربعين» . فكتبت إليه:«وما يضرك من مقامهما، وثقل أبدانهما على الأرض التي تحمل الجبال، وثقل مؤونتهما عليّ دونك؟ فاكتب إليّ بعذرك لأعرفه» . ولم أدر أني أهجم على ما هجمت، وإني أقع منه فيما وقعت، فكتب إلي:
«الخصال «٤» التي تدعو إلى ذلك كثيرة، وهي قائمة معروفة من ذلك سرعة امتلاء البالوعة، وما في تنقيتها من شدة المؤنة، ومن ذلك أن الإقدام إذا كثرت، كثر المشي على ظهور السطوح المطيّنة، وعلى أرض البيوت المجصّصة، والصعود على الدرج الكثيرة. فينقشر لذلك الطين،