فلما حضر وقت الغداء صوّت بغلامه «١» وكان ضخما جهير «٢» الصوت، صاحب تقعير «٣» وتفخيم وتشديق «٤» وهمز «٥» وجزم «٦» : يا مبشّر هات من الخبز تمام عدد الرؤوس.
قلت: ومن فرض لهم هذه الفريضة؟ ومن جزم عليهم هذا الجزم؟
أرأيت أن لم يشبع أحدهم رغيفه أليس لا بد له من أن يعوّل على رغيف صاحبه، أو يتنحّى وعليه بقيّة، ويعلّق يده منتظرا للعادة فقد عاد الأمر وبطل ما تناظرنا فيه.
قال: لا أعلم إلا ترك الطعام البتّة؛ أهون علينا من هذه الخصومة.
قلت: هذا ما لا شك فيه، وقد عملت عندي بالصواب، وأخذت لنفسك بالثقة، إن وفيت بهذا القول.
وكان كثيرا ما يقول: يا غلام هات شيئا من قليّه «٧» وأقلّ منها وأعد لنا ماء باردا وأكثر منه. وكان يقول: قد تغير كل شيء من أمر الدنيا، وحال عن أمره وتبدل، حتى المؤاكلة. قاتل الله رجالا كنا نؤاكلهم، ما رأيت قصعة قط رفعت من بين أيديهم إلا وفيها فضل. وكانوا يعلمون أن إحضار الجدي إنما هو شيء من آيين «٨» الموائد الرفيعة، وإنما جعل كالعاقبة والخاتمة، وكالعلامة لليسر وللفراغ، وأنه لم يحضر للتمزيق والتخريب، وأن أهله لو أرادوا به السوء لقدّموه قبل كل شيء لتقع الحدّة به. بل ما يأكل منه إذا جيء به إلا العابث، وإلا الذي لو لم يره