وكان إدا سئل أعطى، وإذا وعد أو أطمع، كان وعده كالعيان، وإطماعه كالانجاز. ومدحته الشعراء بالجود، وذكرته الخطباء بالسماح.
ولقد يهب للرجل الواحد الضاجعة «١» من الشاء، والعرج «٢» من الإبل.
وكان أكثر ما يهب الملك من العرب مائة بعير، فيقال وهب هنيدة «٣» .
وإنما يقال ذلك إذا أريد بالقول غاية المدح. ولقد وهب لرجل ألف بعير، فلما رآها تزدحم في الوادي قال:«أشهد أنك نبيّ، وما هذا مما تجود به الأنفس» .
وفخرت هاشم على سائر قريش، فقالوا:«نحن أطعم للطعام، وأضرب للهام» وذكرها بعض العلماء، فقالوا:«أجواد مجّاد ذوو ألسنة حداد»«٤» . وأجمعت الأمم كلها، بخيلها وسخيّها وممزوجها، على ذمّ البخل وحمد الجود، كما أجمعوا على ذمّ الكذب وحمد الصدق. وقالوا:
«أفضل الجود الجود بالمجهود» . وحتى قالوا في جهد المقل «٥» ، وفيمن أخرج الجهد، وأعطى الكلّ، وحتى جعلوا لمن جاد بنفسه فضيلة على من جاد بماله، فقال الفرزدق «٦» :
على ساعة لو كان في القوم حاتم ... على جوده ضنّت له نفس حاتم
ولم يكن الفرزدق ليضرب المثل في هذا الموضع بكعب بن مامة «٧» ، وقد