جاد بحوبائه عند المصافنة «١» فما رأينا عربيا سفّه حلم حاتم بجوده بجميع ماله، ولا رأينا أحدا منهم سفّه حلم كعب على جوده بنفسه. بل جعلوا ذلك من كعب لإياد مفخرا، وجعلوا ذلك من حاتم لطيء مأثرة، ثم لعدنان على قحطان «٢» ، ثم للعرب على العجم، ثم لسكان جزيرة لعرب، ولأهل تلك التربة، على سائر الجزائر والترب.
فمن أراد أن يخالف ما وصف الله جلّ ذكره به نفسه، وما منح من ذلك نبيّه صلّى الله عليه وسلّم، وما فطر على تفضيله العرب قاطبة والأمم كافة، لم يكن عندنا فيه إلا إكفاره واستسقاطه «٣» .
ولم نر الأمة أبغضت جوادا قطّ ولا حقرته، بل أحبّته وأعظمته. بل أحبّت عقبه، وأعظمت من أجله رهطه. ولا وجدناهم أبغضوا جوادا، لمجاوزته حدّ الجود الى السرف، ولا حقرته، بل وجدناهم يتعلمون مناقبه «٤» ، ويدّارسون محاسنه، وحتى أضافوا إليه من نوادر الجميل ما لم يفعله، ونحلوه «٥» من غرائب الكرم ما لم يكن يبلغه. ولذلك زعموا أن الثناء في الدنيا يضاعف، كما تضاعف الحسنات في الآخرة. نعم وحتى أضافوا إليه كلّ مديح شارد «٦» ، وكل معروف مجهول الصاحب. ثم وجدنا هؤلاء بأعيانهم للبخيل على ضدّ هذه الصفة، وعلى خلاف هذا المذهب. وجدناهم يبغضونه مرة، ويحقّرونه مرة،