تتركه يلهث» . وكان ينبغي في هذا القياس أن يكون المراوزة «١» ، أعقل البرية وأهل خراسان أدرى البرية.
ونحن لا نجد الجواد يفر من اسم السّرف الى الجود، كما نجد البخيل يفرّ من اسم المتهوّر «٢» ، والمستحي يفرّ من اسم الخجل. ولو قيل لخطيب ثابت الجنان:«وقاح»«٣» لجزع. فلو لم يكن من فضيلة الجود إلا أن جميع المتجاوزين لحدود أصناف الخير يكرهون اسم تلك الفضلة إلا الجواد، لقد كان في ذلك ما يبين قدره، ويظهر فضله.
المال فاتن، والنفس راغبة، والأموال ممنوعة، وهي على ما منعت حريصة، وللنفوس في المكاثرة «٤» علة معروفة، ولأن من لا فكرة له ولا رويّة، موكّل بتعظيم ذي الثروة، وإن لم يكن منه مناله «٥» . وقد قال الأول:
وزادها كلفا بالحبّ أن منعت ... أحبّ شيء إلى الإنسان ما منعا «٦»
وفي بعض كتب الفرس:«كلّ عزيز تحت القدرة فهو ذليل» ، وقالت معاذة العدوية «٧» : «كل مقدور عليه، فمقلّو «٨» أو محقور» .
ولو كانوا لأولادهم يجمعون، ولهم يكدون، ومن أجلهم يحرصون، لجعلوا لهم كثيرا مما يطلبون، ولتركوا محاسبتهم في كثير مما يشتهون. وهذا بعض ما بغّض بعض المورثّين الى الوارثين، وزهّد الأخلاف في طول عمر الأسلاف.