إليه كتابه «الزرع والنخل» فمنحه جائزة مقدارها خمسة آلاف دينار.
وفي أخباره أنه زار سامرّاء أيضا، واللاذقية، وحلب، إلى أن استقر في البصرة مركز تأليفه وكتاباته، وفيها شرع يصنّف ويؤلف، فأخذت حياته تتبدّل من الفقر الى الغنى، ومن الصنعة الى الإنتشار، حتى ذاع صيته وملأ دنياه.
كان الجاحظ أسود اللون كجدّه فزارة، قصيرا، دميما، جاحظ العينين، قبيح المنظر. إلى أن قيل فيه:
لو يمسخ الخنزير مسخا ثانيا ... ما كان إلا دون قبح الجاحظ
وهو نفسه كان يتحدث عن قبحه. فقد روي أن إمرأة طلبت منه أن يصطحبها إلى دكانه أحد الصاغة، فلما وصلت هناك قالت للصائغ:«مثل هذا» ، وانصرفت. فسأل الجاحظ الصائغ، ماذا قد عنت المرأة بقولها ذاك، فأجابه بأنها قد طلبت رسم صورة شيطان على فصّ خاتمها، فاصطحبتك لتمثيل صورته. وهذا ما يؤكد بشاعة الصورة التي كان عليها.
ومهما تكن تلك البشاعة، فإن الجاحظ لم يكن ثقيل الظل، وإنما كان لطيفا محبوبا، عذب اللسان، قوي الشخصية. إستطاع بصفاء قلبه، وصدق واقعيته، ونفسيته المرحة أن يجمّل بشاعته ويزيل ما فيها من قرف واشمئزاز.
لقد تمتّع بطلاوة الحديث، ورطوبة الفكاهة، ورقة الدعابة. ومنح أبو عثمان ذكاء فائقا، وملاحظة دقيقة، وصراحة مطلقة، وعقلا راجحا، وثقة وتفاؤلا عميقين ما جعله رجلا عزيز الجانب غير مكروه، ومحبّبا غير محتقر.
ينتظر الناس فرحه الحاضر، وبديهته اليقظة، إنتظارهم كتاباته ونوادره وطرائفه.
ظلّ الجاحظ عطاء يفيض، وفكرا يدفق، حتى أصيب بالفالج ثم بالنقرس. وقد عانى أبو عثمان من هذه الأمراض آلاما شديدة قضت على عنفوان رجل أراد أن يستمرّ بعطائه الفكري من أجل الحياة والإنسان.