البركة كثيرة الفوائد، وهي تنوب عن الغداء، ولها نفخة تغني عن العشاء. وكل شيء من الإحساء فهو يغني عن طلب النبيذ وشرب الماء.
ومن تحسّى الحار عرق، والعرق ينفض «١» الجلد ويخرج ضرّ الجوف «٢» .
وهي تملأ النفس وتمنع من التشهّي. وهي أيضا تدفيء، فيقوم ذلك في أجوافهم مقام فحم الكانون من خارج. وحسو الحار يغني عن الوقود، وعن لبس الحشو. والوقود يسوّد كل شيء وينتّنه. وهو سريع في الهضم، وصاحبه بعرض حريق، ويذهب في ثمنه المال العظيم. وشرّ شيء فيه أن من تعوّده لم يدفئه شيء سواه. فعليك يا أبا عثمان بالمثلثّة، واعلم أنها لا تكون إلا في منازل المشيخة، وأصحاب التجربة. فخذها من حكيم مجرّب ومن ناصح مشفق.
وكان لا يفارق منازل إخوانه، وإخوانه مخاصيب متاريب «٣» ، أصحاب نفح «٤» وترف، وكانوا يتحفونه»
ويدلّلونه، ويفكهّونه ويحكمونه، ولم يشكّوا أنه سيدعوهم مرّة، وأن يجعلوا بيته نزهة ونشوة فلما طال تغافله، وطالت مدافعته، وعرّضوا له بذلك فتغافل، وصرّحوا له. فلمّا امتنع قالوا: اجعلها دعوة ليس لها أخت. فلمّا بلغ منه ومنهم المجهود، اتخذ لهم طعيما خفيفا، شهيا مليحا، لا ثمن له، ولا مؤونة فيه. فلما أكلوا وغسلوا أيديهم أقبل عليهم فقال: أسألكم بالذي لا شيء أعظم منه، أنا الساعة أيسر وأغنى أو قبل أن تأكلوا طعامي؟
قالوا: ما نشكّ أنك، حين كنت والطعام في ملكك، أغنى وأيسر. قال:
فأنا الساعة أقرب الى الفقر، أم تلك الساعة؟ قالوا: بل أنت الساعة أقرب الى الفقر. قال: فمن يلومني على دعوة قوم قرّبوني من الفقر،