وباعدوني من الغنى، وكلما دعوتهم أكثر، كنت من الفقر أقرب ومن الغنى أبعد؟! وفي قياسه هذا أن من رأيه أن يهجر كل من استسقاه شربة ماء، أو تناول من حائطه تينة، ومن خليط دابته عودا.
ومر بأصحاب الجداء، وذلك في زمان التوليد، فأطعمه الزمان في الرّخص، وتحركت شهوته على قدر إمكان عنده. فبعث غلاما له، يقال له «ثقف» ، وهو معروف، ليشتري له جديا، فوقف غير بعيد. فلم يلبث أن رجع الغلام يحضر «١» ، وهو يشير بيده، ويوميء برأسه، أن:
اذهب ولا تقف. فلم يبرح. فلما دنا منه قال: ويلك! تهرّبني كأني مطلوب؟ قال: هذا طرفة: الجدي بعشرة. أنت من ذي البابة «٢» ؟ مرّ الآن، مرّ مرّ. فإذا غلامه يرى أن من المنكر أن يشتري جدي بعشرة دراهم، والجدي بعشرة إنما ينكر عندنا بالبصرة، لكثرة الخير ورخص السعر. فأمّا في العساكر فإن أنكر ذلك منكر، فإنما ينكره من طريق رخصه وقلة ثمنه، لا لغير ذلك.
ولا تقولوا الآن: قد والله أساء أبو عثمان إلى صديقه، بل ما تناوله بالسوء حتى بدأ بنفسه. ومن كانت هذه صفته، وهذا مذهبه، فغير مأمون على جليسه. وأيّ الرجال المهذّب «٣» ؟ هذا والله الشنوع والتبوع، والبذاء وقلة الوفاء «٤» .