فد بلغ في البخل والتكدية، وفي كثرة المال، المبالغ التي لم يبلغها أحد؛ وكان ينزل في شقّ بني تميم «١» ، فلم يعرفوه. فوقف عليه ذات يوم سائل، وهو في مجلس من مجالسهم، فأدخل يده في الكيس ليخرج فلسا؛ وفلوس البصرة كبار، فغلط بدرهم بغلي «٢» ، فلم يفطن حتى وضعه في يد السائل. فلما فطن استردّه، وأعطاه الفلس. فقيل له: هذا لا نظنه يحل، وهو بعد بمثلك قبيح. قال: قبيح عندكم وأما أنا فإني لم أجمع هذا المال بعقولكم، فأفرّقه بعقولكم. ليس هذا من مساكين الدراهم، هذا من مساكين الفلوس. والله ما أعرفه إلا بالفراسة «٣» .
قالوا: وإنك لتعرف المكدّين؟ قال: وكيف لا أعرفهم؟ وأنا كنت كاجار «٤» في حداثة سنّي. ثم لم يبق في الأرض مخطراني «٥» ، ولا مستعرض أقفية «٦» ، ولا شحّاذ ولا كاغاني ولا بانوان، ولا قرسي ولا عوّاء، ولا مشعب، ولا فلور، ولا مزيدي ولا إسطبل إلا وكان تحت يدي. ولقد أكلت الزكوري ثلاثين سنة؛ ولم يبق في الأرض كعبيّ ولا مكدّ، إلا وقد أخذت العرافة عليه، حتى خضع إلى إسحق قتال الحر «٧» ، وبنجويه شعر الجمل، وعمرو القوقيل، وجعفر كردي كلك، وقرن أيره، وحمّويه عين الفيل، وشهرام حمار أيوب، وسعدويه نائك أمه «٨» . وإنما أراد بهذا أن يؤسهم من ماله، حين عرف حرصهم