عادات العرب وتقاليدهم، فكان منها إنتشار البخل، وخاصة في العراق إبّان القرن الثالث الهجري.
والحقيقة، فإن غاية الكتاب تتعدّى الضحك والمرح، لتغدو أعمق وأشد، فإذا هي أقرب الى الردع والتأنيب، والهزء والسخرية، وذلك من أجل المنفعة العامة والإستفادة من أعمال البخلاء الشاذة إستفادة تجعلهم يميلون الى الكرم من غير إسراف، وإلى الجود في غير إقتصاد.
وهناك فريق آخر من الدارسين رأى أن كتاب «البخلاء» ما وضع إلا لأن الجاحظ كان واحدا من أولئك البخلاء، ولذلك تمكّن من معرفة أحوالهم بدقة، كاشفا حقائقهم كما هي بصدق وواقعية.
والواقع أن كتاب البخلاء يعتبر من الكتب النفيسة بمكان، لأنه دراسة واقعية لردة فعل إقتصادية. ومن أجل ذلك أفرد الجاحظ كتابا خاصا بالبخل صوّر هذه الحالة، وتغلغل أيضا بين طوايا النفس البشرية، وتفهّم نزعاتها، وحلّل أعمالها، ودرس نفسياتها، وقد قال:«ولك في هذا الكتاب ثلاثة أشياء تبيّن حجّة طريفة، أو تعرّف حيلة لطيفة، أو استفادة نادرة عجيبة» .
لقد اتّبع الجاحظ أسلوبا قصصيا إخباريا يربط الأخبار بعضها ببعض.
وكانت أقصوصة البخيل قصيرة، لكنها جمعت عناصر القصة الكاملة، من مقدمة وعرض وعقدة، الى حل وخاتمة.
ولم تكن أقاصيص الجاحظ خاوية فارغة؛ بل كانت نابضة مليئة بالحياة تستمد موضوعاتها من وحي فريق من الأشحاء المسجديين والخراسانيين وغيرهم، إختاروا أحاديثهم، وانتقوا ألفاظهم بأنفسهم. من هنا نضجت أقصوصة البخيل عند أبي عثمان، واستمرت حارة دافئة يقظة، تدفىء النفس فتثيرها، وتوقظ العقل فتحركه تارة بين الاسترخاء والاستمتاع، وطورا بين التصوير والتحكيم.
وقد تمّيز كتاب «البخلاء» بخصائص هامة كان منها الموضوعية التي برزت