وأسمج «١» الجهل بالحكيم. ما ظننت أن إهمال النفس، وسوء السياسة، بلغ بك ما أرى. قلت: وأيّ شيء أنكرت منا مذ اليوم، وما كان هذا قولك فينا بالأمس؟ فقال: لبسك هذا الكساء قبل أوانه. قلت: قد حدث من البرد بمقداره. ولو كان هذا البرد الحادث في تموز وآب، لكان إبّانا «٢» لهذا الكساء. قال: إن كان ذلك كذلك، فاجعل، بدل هذه المبطّنة، جبّة محشوّة، فإنها تقوم هذا المقام، وتكون قد خرجت من الخطأ. فأما لبس الصوف اليوم، فهو غير جائز. قلت: ولم؟ قال: لأن غبار آخر الصيف يتداخله ويسكن في خلله، فإذا أمطر الناس، وندي الهواء وابتلّ كل شيء، ابتلّ ذلك الغبار. وإنما الغبار تراب، إلا أنه لباب التراب. وهو مالح، وينقبض عند ذلك عليه الكساء ويتكرّش، لأنه صوف، فتنضم أجزاؤه عليه. فيأكله أكل القادح «٣» ، ويعمل فيه عمل السوس، ولهو أسرع فيه من الأرضة «٤» في الجذوع النجرانية.
ولكن أخّر لبسه، حتى إذا مطر الناس، وسكن الغبار، وتلبّد التراب، وحط المطر ما كان في الهواء من الغبار، وغسله، وصفّاه، فألبسه حينئذ، على بركة الله.
وكان يقع إلى عياله بالكوفة، كل سنة مرة، فيشتري لهم من الحب مقدار طبيخهم، وقوت سنتهم. فإذا نظر الى حب هذا، وإلى حبّ هذا، وقام على سعره، اكتال من كل واحد منها كيلة معلومة، بالميزان، واشترى أثقلها وزنا. وكان لا يختار على البلدي والموصلّي شيئا، إلا أن يتقارب السعر. وكان على كل حال يفرّ من الميساني، إلا أنّ يضطرّ اليه.
ويقول: هو ناعم ضعيف، ونار المعدة شيطان، فإنما ينبغي لنا أن نطعم