الحجر، وما أشبه الحجر. وقلت له مرّة: أعلمت أن خبز البلدي ينبت عليه شيء شبيه بالطين، والتراب، والغبار المتراكم؟ قال: حبذا ذلك من خبز، وليته قد أشبه الأرض بأكثر من هذا المقدار؟
وكان إذا كان جديد القميص ومغسوله، ثم أتوه بكل بخور في الأرض، لم يتبخّر، مخافة أن يسوّد دخان العود بياض قميصه. فإن اتسخ فأتي بالبخور، لم يرض بالتبخر، واستقصاء ما في العود من القتار «١» ، حتى يدعو بدهن، فيمسح به صدره وبطنه، وداخلة إزارة، ثم يتبخر، ليكون أعلق للبخور.
وكان يقول: حبّذا الشتاء، فإنه يحفظ عليك رائحة البخور، ولا يحمض فيه النبيذ، إن ترك مفتوحا، ولا يفسد فيه مرق إن بقي أياما.
وكان لا يتبخر إلا في منازل أصحابه. فإذا كان في الصيف، دعا بثيابه، فلبسها على قميصه، لكيلا يضيع من البخور، شيء.
وقال مرّة: إن للشيب سهكة «٢» . وبياض الشعر الأسود هو موته، وسواده حياته. ألا ترى أن موضع دبرة الحمار الأسود لا ينبت إلا أبيض. والناس لا يرضون منا، في هذا العسكر، إلا بالعناق واللثام.
والطيّب غال، وعادته رديئة. وينبغي لمن كان أيضا عنده، أن يحرسه ويحفظه من عياله. وأن العطّار ليختمه على أخص غلمانه به. فلست أرى شيئا هو خير من اتخاذ مشط صندل «٣» ، فإن ريحه طيّبة، والشعر سريع القبول، وأقل ما يصنع أن ينفي سهك الشيب. قصرنا في حال لا لنا ولا علينا. فكان عطر الحزامي إلى أن فارق الدنيا مشط صندل، إلا أن يطيّبه صديق.