واستسلف منه عليّ الأسواري مائة درهم، فجاءني وهو حزين منكسر. فقلت له: إنما يحزن من لا يجد بدا من إسلاف الصديق، مخافة ألا يرجع إليه ماله، ولا يعد ذلك هبة منة. أو رجل يخاف الشكيّة، فهو إن لم يسلف كرما، أسلف خوفا. وهذا باب، الشهرة فيه هي قرّة عينك. وأنا واثق باعتزامك وتصميمك، وبقلّة المبالاة بتبخيل الناس لك، فما وجه انكسارك واغتمامك؟
قال: اللهم غفرا! ليس ذاك بي إنما بي أني قد كنت أظنّ أن أطماع الناس قد صارت بمعزل عني، وآيسة مني، وأني قد أحكمت هذا الباب وأتقنته، وأودعت قلوبهم اليأس، وقطعت أسباب الخواطر. فأراني واحدا منهم إن من أسباب إفلاس المرء طمع الناس فيه؛ لأنهم إذا طمعوا فيه، احتالوا له الحيل، ونصبوا له الشّرك»
، وإذا يئسوا منه فقد أمن. وهذا المذهب من عليّ استضعاف شديد. وما أشك أني عنده غمر «٢» ، وأني كبعض من يأكل ماله. وهو مع هذا خليط وعشير. وإذا كان مثله لم يعرفني، ولم يتقرر عنده مذهبي، فما ظنّك بالجيران، بل ما ظنك بالمعارف؟ أراني أنفتح في غير فحم، وأقدح بزند مصلد «٣» . ما أخوفني أن أكون قد قصد إليّ بقول. ما أخوفني أن يكون الله في سمائه قد قصد إلى أن يفقرني.
قال: ويقولون: ثوبك على صاحبك أحسن منه عليك. فما يقولون إن كان أقصر مني، أليس يتخبّل في قميصي؟ وإن كان طويلا جدا، وأنا قصير جدا، فلبسه، أليس يصير آية للسائلين؟ فمن أسوأ أثرا على صديقه ممن جعله ضحكة للناس؟ ما ينبغي لي أن أكسوه حتى أعلم أنه فيه مثلي. ومتى يتفق هذا؟ وأنى ذاك محيا وممات؟