عليك النفقة، وتكر منه؛ وإنك لتغالي «١» بالخبّاز والطبّاخ والشواء والخباص، ثم أنت مع هذا كله لا تشهده عدوّا لتغمّه «٢» ، ولا وليّا فتسرّه، ولا جاهلا لتعرّفه، ولا زائرا لتعظّمه، ولا شاكرا لتثبّته. وأنت تعلم حين يتنحّى من بين يديك، ويغيب عن عينيك. فقد صار نهبا مقسما، ومتوزعا مستهلكا. فلو أحضرته من ينفع شكره، ويبقى شكره، ويبقى على الأيام ذكره، ومن يمتعك بالحديث والإستماع، ومن يمتدّ به الأكل، ويقصر به الدهر، لكان ذلك أولى بك، وأشبه بالذي قدّمته يدك.
وبعد، فلم تبيح مصون الطعام لمن لا يحمدك، ومن ان حمدك لم يحسن أن يحمدك، ومن لا يفصل بن الشهيّ القديّ، وبين الغليظ الزهم «٣» ؟ قال: يمنعني من ذلك ما قال أبو الفاتك. قالوا: ومن أبو الفاتك؟ قال: قاضي الفتيان «٤» . وإني لم آكل مع أحد، قطّ ألا رأيت منه بعض ما ذمّه، وبعض ما شنّعه وقبّحه. فشيء يقبح بالشطّار، فما ظنك به إذا كان في أصحاب المروءات، وأهل البيوتات؟ قالوا: فما قال أبو الفاتك.
قال: قال أبو الفاتك: الفتى لا يكون نشّالا، ولا نشّافا، ولا مرسالا، ولا لكّاما، ولا مصّاصا، ولا نقّاضا، ولا دلّاكا، ولا مقوّرا، ولا مغربلا، ولا محلقما، ولا مسوّغا ولا ملغّما، ولا مخضّرا. فكيف لو رأى أبو الفاتك اللطّاع، والقطّاع، والنهّاش، والمدّاد، والدفّاع، والمحوّل «٥» ؟