إذا صوّت العصفور طار فؤاده ... وليث حديد الناب عند الثرائد
صوفيّ: من جلس على المائدة فأكثر كلامه غشّ بطنه. قيل لحكيم: أيّ الأوقات أحمد للأكل فقال: أمّا عن قدرة فإذا اشتهى، وأمّا من لم يقدر فإذا وجد. قعد طبيب على مائدة خليفة فطلب الجبن اليابس وقال: إنه يمرىء الطعام ويلذّ الشراب وينقّي الدماغ. فقالوا: ليس بحاضر. قال: دعوه فإنه يفسد الأسنان ويورث النسيان ويثقل اللسان. قال الخليفة: بأيّ الكلامين أعمل؟
قال: بالأوّل إذا وجد، وبالثاني إذا فقد. أكل السلطان محمود مع بعض ندمائه يوما باذنجانا وهو جائع وقال: طعام طيّب، فأفرط النديم في مدحه، ثم شبع السلطان وقال: مضرّ، فبالغ النديم في عدّ مضارّه. فقال: مدحته لي الآن! فقال: أنا نديمك لا نديمه، أتكلّم بما يطيب لك. حثّ رجل رجلا على الأكل من طعامه فقال: عليك تقريب الطعام، وعلينا تأديب الأجسام. قعد صبيّ مع قوم على طعام فأخذ يبكي فقالوا: ما يبكيك؟ قال: حارّ. قالوا: فاصبر حتى يبرد. قال: أنتم لا تصبرون.
قيل لطفيليّ: لم أنت حائل اللون؟ قال: للفترة بين القصعتين مخافة أن يكون قد فني الطعام. قال طفيليّ: ليس شيء أضرّ على الضيف من أن يكون ربّ البيت شبعان. قيل لطفيليّ: فيم لذّتك؟ قال: في مائدة منصوبة، ونفقة غير محسوبة، عند رجل لا يضيق صدره من البلع، ولا يحبس نفسه من الجرع. قصد جماعة من الطفيليين وليمة فقال رئيسهم: اللهمّ لا تجعل البوّاب لكازا في الصدور، دفّاعا في الظهور، طرّاحا للقلانس، وهب لنا رحمته ورأفته وبشره، وسهل علينا إذنه، فلمّا دخلوا تلقّاهم المضيف فقال الرئيس: غرّة