للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فقالوا: يا رسول الله لا تلمه فانا كنا عقدنا له الخرز قبل قدومك لنتوّجه. ولو سلم المخذول قلبه في الحسد لكان من الاسلام بمكان ومن السؤدد في ارتفاع، فوضعه الله لحسده واظهر نفاقه ولذلك قال القائل:

طالت على الحاسد احزانه ... فاصفر من كثرة احزانه

دعه فقد اشعلت في جوفه ... ما هاج في حر نيرانه

العيب اشهى عنده لذة ... من لذة المال لخزانه

فارم على غاربه حبله ... تسلم من كثرة بهتانه

[٦- حسد الجيران]

فصل منه: وذلك أنّ الجيران- يرحمك الله- طلائع عليك، وعيونهم نواظر إليك، فمتى كنت بينهم معدما فأيسرت، فبذلت وأعطيت، وكسوت وأطعمت، وكانوا في مثل حالك فاتّضعوا، وسلبوا النعمة وألبستها [أنت] ، فعظمت عليهم بليّة الحسد، وصاروا منه في تنغيص آخر الأبد. ولولا أن المحسود بنصر الله إيّاه مستور، وهو بصنعه محجوب لم يأت عليه يوم إلّا كان مقهورا، ولم تأت ليلة إلا وكان عن منافعه مقصورا. ولم يمس إلّا وماله مسلوب، ودمه مسفوك، وعرضه بالضّرب منهوك.

[٧- الحسود لا يستطيع كتمان حسده]

فصل منه: وأنا أقول حقا: ما خالط الحسد قلبا إلّا لم يمكنه ضبطه ولا قدر على تسجينه وكتمانه، حتى يتمرّد عليه بظهوره وإعلانه، فيستعبده ويستمليه، ويستنطقه لظهوره عليه فهو أغلب على صاحبه من السيّد على عبده، ومن السّلطان على رعيّته، ومن الرّجل على زوجته ومن الآسر على أسيره.

وكان ابن الزّبير بالصبر موصوفا، وبالدّهاء معروفا، وبالعقل موسوما، وبالمداراة منهوما، فأظهر بلسانه حسدا كان أضبّ عليه أربعين سنة لبني

<<  <   >  >>