للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولمّا عزم ابن زياد على الحقنة بعد أن كان تفحّشها قال له حارثة بن بدر: ما أجد أولى بتولّي ذلك من الطبيب. قال عبيد الله: كلّا، فأين الصاحب.

والله أن لو نتجت في كلّ عام ألف شبديز، وأحبلت في كل ليلة أربعة آلاف ربرب، وصار لك كلّ نهر المبارك بدلا من بعض بابك وأكلت رأس الجنيد بن حاق الأشيم، وأحبلت ابن ألغز من إفراط الشّبق، لما كان ينبغي لك أن تعاملنا بهذه المعاملة، ولا كان ينبغي أن تقتلنا هذه القتلة، ولو اقتصرت من العقوبة على شيء دون شيء لكان أعدل، ولو عفوت البتّة لكان أمثل.

[١١- ذم الغضب]

إنّ الاعتزام على قليل العقاب يدعو إلى كثيره، ومبتدىء العقاب بعرض لجاج. وليس يعاقب إلّا غضبان.

والغضب يغلب العزم على قدر ما مكّن، ويحيّر اللّبّ بقدر ما سلّط.

والغضب يصوّر لصاحبه مثل ما يصوّر السّكر لأهله.

والغضبان يشعله الغضب، ويغلي به الغيظ، وتستفرغه الحركة، ويمتلىء بدنه رعدة، وتتزايل أخلاطه، وتنحلّ عقده، ولا يعتريه من الخواطر إلّا ما يزيده في دائه، ولا يسمع من جليسه إلّا ما يكون مادّة لفساده، وعلى أنّه ربّما استفرغ حتّى لا يسمع، واحترق حتّى لا يفهم.

ولولا أنّ الشيطان يريد ألّا يخلو من عمله، ولا يقصّر في عادته، لما وسوس إلى الغضبان ولا زيّن له، ولما أغراه ولا فتح عليه؛ إذ كان قد كفاه، وبلغ أقصى مناه.

<<  <   >  >>