للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على التذفيف، حتى كأني علمت عليك «شاه مات» ، أو أكلت سبعة وأطعمتك واحدة.

[٧- ابن الزيات يكيد للجاحظ]

ولقد تقدّمت في المكر واستظهرت عليّ في الكيد، حتى توليّت ذلك في صغار كتبي وفيما لا تحفل به من دوام أمري، وعلمت ان الدّرس لليل وأن الإستراحة للنهار، وأن الكتاب لا يقرأ إلّا ليلا والنّيران زاهرة، والمصابيح مقرّبة. وعلمت أنّ كلّ من ضعف بصره وكلّ نظره، فإنه أبدا أقرب مصباحا وأعظم نارا وأن المحرور المحترق، والممرور الملتهب، والبائس المتهافت، إذا كان صاحب كتب ودرس، أنّه لا يجد بدّا من الصبر على ما يحرقه ويعميه، أو الترك للقراءة فيها والتعرّض لها. فخيّرتني بين العمى والجهل. وما فيهما حظّ لمختار.

وقلت: إذا سخن بدنه سجن بوله، وإذا سجن بوله جرح مثانته وأحرق كليته، وطبخ فضول غذائه، وجفّف ما فضل عن استمرائه فأحاله حصى قاتلا وصخرا جامدا، وهو دقيق القضيب ضيّق الإحليل، فإذا حصاه يورث الأسر، وفي ذلك الأسر تلف النفس أو غاية التعذيب.

وقلت: فإن ابتليت بطول عمره أقام فينا مشغولا بنفسه، وإن ذهب عنّا فقد كفانا مؤونة الحيلة في أمره.

جعلت فداك، ما هذا الاستقصاء وما هذا البلاء؟! وما هذا التتبّع لغوامض المسألة، والتعرّض لدقائق المكروه؟! وما هذا التغلغل في كل شيء يخمل ذكري؟! وما هذا الترقّي إلى كلّ ما يحطّ من قدري؟!

<<  <   >  >>