للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كما يكون سعدا، ويكون نفعا كما يكون ضرا، ويقرض الكتان، ويشحب الألوان، ويخمّ فيه اللحم. وأنت دائم اليمن، ظاهر السعادة، ثابت الكمال، شائع النفع، تكسو من أعراه، وتكن من أشحبه، وعلى أنه قد محق حسنه المحاق وشانه الكلف، وليس بذي توقد واشتعال ولا خالص البياض ولا متلأليء، ويعلوه برد ويكسوه ظل الأرض. ثم لا يعتريه ذلك إلا عند كماله وليلة فخره واحتفاله، وكثيرا ما يعتريه الصفار من بخار البحار.

وأنت ظاهر التمام، دائم الكمال، سليم الجوهر، كريم العنصر، ناري التوقد، هوائي الذهن، دري اللون، روحاني البدن. وإن احتجوا عليك بالجزر والمد، احتججت عليهم بالعلم والحلم، وبأن طاعتك اختيار واعتبار، وطاعته طباع واضطرار، وبأن له سيرة قد قصر عليها، ومنازل لا يجاوزها، ولا تمكنه البدوات، وليس في قواه فضل للتصرف، وعلى أن ضياءه مستعار من الشمس، وضياؤك عارية عند جميع الخلق. فكم بين المعير والمستعير، والمتبين والمتحير، وبين العالم وما لا حس فيه. ولا زالت الأرض بك مشرقة، والدنيا معمورة، ومجالس الخير مأهولة، ونسيم الهواء طببا، وتراب الأرض عبقا. إن تفتيت فالرشاقة والملح، وإن تمسكنت فالرهبانية والأخلاص، وإن ترزنت «فثهلان ذو الهضبات ما يتحلحل» .

وطباعك جعلت فداك طباع الخمر إلا أنك حلال كلك، وجوهرك جوهر الذهب إلا أنك روح كما أنت. وقد حويت خصال الياقوت إلا ما زادك الله عليه، وأخذت خصال المشتري إلا ما فضلك الله به، وجمعت خلال الدر إلا ما خصصت به دونه. فلك من كل شيء صفوته ولبابه وشرفه وبهاؤه. وهل يضر القمر نباح الكلب، وهل يزعزع النخلة سقوط البعوضة عليها.؟

[٢٢- عودة الى قيمة المزاح والجد]

فأما القول في المزاح فقد بقي أكثره ومضى أقله. وقد ذهب الناس في

<<  <   >  >>