للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يعلم مكينا مما لا يعلم معتقدا، وما المستغلق الذي يجوز أن يفارقه استغلاقه والمستبهم الذي لا يفارقه استبهامه، ومن هو طائر مع العوام حيث طارت وساقط معها حيث سقطت مع الزراية عليها والرغبة عنها، قد ظلمها بفضل ظلمه لنفسه وجرى معها بقدر مناسبتها القدرة. فاعرف الجنس من الصنف والقسم من النصف، وفرق ما بين الذم واللوم، وفصل ما بين الحمد والشكر وحد الاختيار من الإمكان والاضطرار من الايجاب. وسنعرفك من جملة ما ذكرنا بابا أنت إليه أحوج وهو علينا أردّ.

إعلم أن الحسد اسم لما فضل عن المنافسة، كما أن الجبن اسم لما فضل عن التوقي والبخل اسم لما قصر عن الإقتصاد، والسّرف ما جاوز الجود. وأنت جعلت فداك لا تعرف هذا ولو أدخلتك الكير ونفخت عليك إلى يوم ينفخ في الصور. وهل في الأرض إقرار أثبت أو دليل أوضح أو شاهد أصدق من شاهدي على ما ادعيت لنفسك من الرفعة مع ما ظهر من حسدك لأهل الضعة؟ وهل تكون بعد ذلك إلا فاسد الحس ظاهر العنود أو جاهلا بالمحال..!؟

وبعد فأنت أبقاك الله في يدك قياس لا ينكسر، وجواب لا ينقطع، ولك حد لا يفل، وغرب لا ينثني. وهو قياسك الذي إليه تنسب ومذهبك الذي إليه تذهب، أن تقول: وما عليّ أن يراني الناس عريضا وأكون في حكمهم غليظا وأنا عند الله طويل جميل وفي الحقيقة مقدود رشيق! فقد علموا حفظك الله أن لك مع طول الباد راكبا طول الظهر جالسا، ولكن بينهم فيك اذا قمت اختلاف، وعليك لهم إذا اضطجعت مسائل. ومن غريب ما أعطيت وبديع ما أوتيت أنا لم نر مقدودا واسع الجفرة غيرك، ولا رشيقا مستفي الخاصرة سواك! فأنت المديد، وأنت البسيط، وأنت الطويل، وأنت المتقارب.

فيا شعرا جمع الأعاريض ويا شخصا جمع الاستدارة والطول! بل ما يهمك

<<  <   >  >>