للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

اللفظ حقه من المعنى، وتحب المعنى إذا كان حيا يلوح وظاهرا يصيح، وتبغضه إذا كان مستهلكا بالتعقيد ومستورا بالتغريب. وتزعم أن شر الألفاظ ما أغرق المعاني وأخفاها وأسرها وعمّاها وإن راقت سمع الغمر واستمالت قلب الريض. واعجب الألفاظ عندك مارق وعذب وخف وسهل وكان موقوفا على معناه ومقصورا عليه دون ما سواه، لا فاضل ولا مقصر ولا مشترك ولا مستغلق، قد جمع خصال البلاغة واستوفى خلال المعرفة. فإذا كان الكلام على هذه الصفة وألف على هذه الشريطة لم يكن اللفظ أسرع إلى السمع من المعنى إلى القلب، وصار السامع كالقائل والمتعلم كالمعلم، وخفت المؤونة واستغني عن الفكرة وماتت الشبهة وظهرت الحجة، واستبدلوا بالخلاف وفاقا وبالمجاذبة موادعة، وتهنؤوا بالعلم وتشفوا ببرد اليقين واطمأنوا بثلج الصدور، وبان المنصف من المعاند وتميز الناقص من الوافر وذل المخطل وعز المحصل وبدت عورة المبطل وظهرت براءة المحق.

وقلت: والناس وإن قالوا في الحسن: كأنه طاقة ريحان، وكأنه خوط بان، وكأنه قضيب خيزران، وكأنه غصن بان، وكأنه رمح رديني، وكأنه صفيحة يمانية، وكأنه سيف هندواني، وكأنها جان، وكأنها جدل عنان. فقد قالوا. وكأنه المشتري، وكأن وجهه دينار هرقلي، وما هو إلا البحر، وما هو إلا الغيث وكأنه الشمس، وكأنها دارة قمر، وكأنها الزهرة، وكأنها درة، وكأنها غمامة، وكأنها مهاة. فقد تراهم وصفوا المستدير والعريض بأكثر مما وصفوا به القضيف والطويل:

وقلت: وجدنا الأفلاك وما فيها والأرض وما عليها على التدوير دون التطويل، وكذلك الورق والتمر والحب والثمر والشجر.

وقلت: والرمح وإن طال فان التدوير عليه أغلب، لأن التدوير قائم فيه موصولا ومفصلا، والطول لا يوجد فيه إلا موصولا. وكذلك الانسان وجميع

<<  <   >  >>