للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بمدحك، ولا فتاة إلا وتشكو تباريح حبك، ولا محجوبة إلا وهي تثقب الخروق لممرك، ولا عجوز إلا وهي تدعو لك، ولا غيور إلا وقد شقي بك، فكم من كبد حرّى منضجة، ومصدوعة مفرثة، وكم من حشا خافق، وقلب هائم، وكم عين ساهرة وأخرى جامدة وأخرى باكية، وكم عبرى مولهة، وفتاة معذبة، قد أقرح قلبها الحزن وأجمد عينها الكمد، قد استبدلت بالحلي العطلة، وبالأنس الوحشة، وبالتكحيل المره، فأصبحت والهة مبهوتة، وهائمة مجهودة، بعد طرف ناصع، وسن ضاحك، وغنج ساحر، وبعد أن كانت نارا تتوقد، وشعلة تتوهج؟

وليس حسنك أبقاك الله الحسن الذي تبقى معه توبة، أو تصح معه عقيدة، أو يدوم معه عهد، أو يثبت معه عزم، أو يمهل صاحبه للتثبت، أو يتسع للتخير، أو ينهنهه زجر، أو يهذبه خوف. هو أعزك الله شيء ينقض العادة، ويفسخ المنّة، ويعجل عن الرويّة، ويطرح بالعرا، وتنسى معه العواقب، ولو أدركك عمر بن الخطاب لصنع بك أعظم مما صنع بنصر بن الحجاج، ولركبك بأعظم مما ركب به جعدة السلمي، بل لدعاه الشغل بك إلى ترك التشاغل بهما، والغيظ عليك إلى الرحمة لهما. فمن كان عيب حسنه الإفراط عليه من جهة الزيادة، كيف يرومه عاقل أو ينتقصه عالم. فلا تعجب إن كنت نهاية الهمة وغاية الأمنية، فإن حسن الوجه إذا وافق حسن القوام، وجودة الرأي، وكثرة العلم، وسعة الخلق، والمغرس الطيب، والنصاب الكريم، والطرف الناصع، واللسان البين، والنعمة البهجة والمخرج السهل، والحديث المونق، مع الإشارة الحسنة، والنبل في الجلسة، والحركة الرشيقة، واللهجة الفصيحة، والتمهل في المحاورة، والهذ عند المناقلة والبديه البديع، والفكر الصحيح، والمعنى الشريف، واللفظ المحذوف، والايجاز يوم الإيجاز، والإطناب يوم الاطناب، يفل الحز، ويصيب المفصل، ويبلغ بالعفو ما يقصر عنه الجهد، كان أكثر لتضاعف

<<  <   >  >>