للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يخلق مذاقا أحلى من العدل، ولا أروح على القلوب من الإنصاف، ولا أمرّ من الظّلم، ولا أبشع من الجور.

وقال بعض المتقدّمين: «إنما يعرف الظّلم من حكم به عليه» . ومن استعمل العدل دلّه على أنّ النّاس يجدون من طعمه وطعم الظلم إذا فعله بهم مثل الذي يجد إذا ظلم، فكره لهم ما كره لنفسه، فأنصف ولم يظلم.

ويتظالم الناس فيما بينهم بالشّره والحرص المركّب في أخلاقهم، فلذلك احتاجوا الى الحكّام- وقد أطلق لهم تصريف أخلاقهم وأماناتهم- التي ردّت إليهم بالأحكام فيها، ما جنايته عليهم أكثر مما يطالبهم به الخصوم.

وقال بعض الحكماء: إنّ من أصعب الأعمال إنصافك في نفسك، ومواساتك أخاك في مالك، وذكر الله. أما إنّي لا أعنى قول سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلّا الله، والله أكبر- وإنّ ذلك لمن ذكر الله- ولكن ذكره عنده ما يعرض من الأمور، فإن كان طاعة لله فعلته، وإن كان معصية لله اجتنبته.

وروى عن بعضهم أنه قال: «ثلاثة في ظلّ عرش الله يوم لا ظلّ إلّا ظلّه: رجل لم يعب أخاه بعيب فيه مثله حتّى يصلح ذلك العيب من نفسه، فإنّه لا يصلحه حتى يهجم على آخر، فتشغله عيوبه عن عيوب الناس. ورجل لم يقدّم يدا ولا رجلا حتى يعلم: أفى طاعة الله هو أم في معصيته؟ ورجل لم يلتمس من الناس إلّا مثل ما يعطيهم من نفسه. أما تحبون أن تنصفوا» .

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رحم الله عبدا أنفق الفضل من ماله وأمسك الفضل من قوله، وشغله عيبه عن عيوب الناس» .

وقال عيسى بن مريم: «يا بني إسرائيل أيرى أحدكم القذاة في عين أخيه ويغبى عن الجذع المعترض في عينه» .

<<  <   >  >>