للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واشتقوا لهم ألفاظاً غير ألفاظ النصوص، فأوجب ذلك هجر النصوص،

ومعلوم أن تلك الألفاظ لا تفي بما تفي به النصوص من الحكم والدليل

وحسن البيان، فتولد من هجران ألفاظ النصوص والإقبال على الألفاظ

الحادثة وتعليق الأحكام بها على الأمة من الفساد ما لا يعلمه إلا الله،

فألفاظ النصوص عصمة وحجة بريئة من الخطأ والتناقض والتعقيد

والاضطراب ولما كانت هي عهد (*) الصحابة وأصولهم التي إليها يرجعون

كانت علومهم أصَحَّ من علوم مَنْ بعدهم، وخطؤهم فيما اختلفوا فيه أقل

من خطأ مَنْ بعدهم، ثم التابعون بالنسبة إلى مَنْ بعدهم كذلك، وهلم

جرا، ولما استحكم هجران النصوص عند أَكثر أهل الأهواء والبِدَع كانت

علومهم في مسائلهم وأدلتهم في غاية الفساد والاضطراب والتناقض، وقد

كان أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا سئلوا عن مسألة يقولون: قال الله كذا،

قال رسول الله كذا، أو فعل [رسول] الله كذا، ولا يعدلون عن ذلك ما

وجدوا إليه سبيلاً قط، فمن تأمل أجوبتهم وجدها شفاء لما في الصدور،

فلما طال العهد وبَعُد الناس من نور النبوة صار هذا عيباً عند المتأخرين

أن يذكروا في أصول دينهم وفروعه قال الله، وقال رسول الله. أما أصول

دينهم فصرحوا في كتبهم أن قول الله ورسوله لا يفيد اليقين في مسائل

أصول الدين، وإنما يحتج بكلام الله ورسوله فيها الحشوية والمجسِّمة

والمشبهة، وأما فروعهم فقنعوا بتقليد من اختصر لهم بعض المختصرات

التي لا يذكر فيها نص عن الله ولا عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا عن الإمام الذي

زعموا أنهم قلدوه دينهم، بل عمدتهم فيما يفتون ويقضون به وينقلون به

الحقوق ويبيحون به الفروج والدماء والأموال على قول ذلك المصنف،

وأجلهم عند نفسه وزعيمُهم عند بني جنسه مَنْ يستحضر لفظ الكتاب،

ويقول: هكذا قال، وهذا لفظه؛ فالحلال ما أحله ذلك الكتاب والحرام


(*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: في "إعلام الموقعين" لابن القيم: [هي عصمة عهدة الصحابة]

<<  <  ج: ص:  >  >>