للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

باسم الهدية - وهو أظهر من أن يذكر - كرشوة الحاكم والوالي وغيرها، فإن

المرتشي ملعون هو والراشي، لما في ذلك من المفسدة، ومعلوم قطعاً

أنهما لا يخرجان عن الحقيقة، وحقيقة الرشوة بمجرد اسم الهدية، وقد

علمنا وعلم الله وملائكته ومن له اطلاع على الحيل أنها رِشْوَة.

وأما استحلال القتل باسم الإرهاب الذي تسميه وُلاة الجور سياسة

وهيبة وناموساً وحرمة للملك فهو أظهر من أن يذكر. وأما استحلال الزنا

باسم النكاح فهو الزنا بالمرأة التي لا غَرَضَ له أن يقيم معها ولا أن تكون

زوجته، وإنما غرضه أن يقضي منها وَطَرَه، أو يأخذ جُعْلاً على الفساد بها،

ويتوصل إلى ذلك باسم النكاح وإظهار صورته، وقد علم الله ورسوله

والملائكة والزوج والمرأة أنه محلل لا ناكح، وأنه ليس بزوج، وإنما هو

تيس مستعار للضِّراب بمنزلة حمار العشريين.

فيالله العجب! أي فرق في نفس الأمر بين الزنا وبين هذا؟ نعم هذا

زنا بشهود من البشر، وذلك زنا بشهود من الكرام الكاتبين كما صرح به

أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقالوا: لا يزالان زانيين وإن مكَثَا عشرين سنة إذا

علم الله أنه إنما يريد أن يحللها، والمقصود أن هذا المحلل إذا قيل له:

هذا زنا، قال: ليس بزنا، بل نكاح، كما أن المرابي إذا قيل له: هذا رباً،

قال: بل هو بَيع، وكذلك كل من استحل محرماً بتغيير اسمه وصورته كمن

يستحل الحشيشة باسم الراحة، ويستحل المعازف كالطنبور والعود والبربط

باسم يسميها به، وكما يسمي بعضهم المغني بالحادي والمطرب والقوال،

وكما يسمى الديوث بالمصلح والموفق والمحسن، ورأيت من يسجد لغير

الله من الأحياء والأموات ويسمي ذلك وَضْعَ الرأس للشيخ، قال: ولا أقول

هذا سجود، وهكذا الحيل سواء، فإن أصحابها يعمدون إلى الأحكام

<<  <  ج: ص:  >  >>