فأين سلف المفرقين بين البابين، نعم سلفهم بعض متأخري
المتكلمين الذين لا عناية لهم بما جاء عن الله ورسوله وأصحابه، بل
يصدون القلوب عن الاهتداء في هذا الباب بالكتاب والسنة وأقوال
الصحابة، ويحيلون على آراء المتكلمين، وقواعد المتكلفين، فهم الذين
يعرف عنهم التفريق بين الأمرين، فإنهم قسموا الدين إلى مسائل علمية
وعملية وسموها أصولاً وفروعاً وقالوا الحق في مسائل الأصول واحد، ومن
خالفه فهو كافر أو فاسق.
وأما مسائل الفروع فليس لله تعالى فيها حكم معين ولا يتصور فيها
الخطأ وكل مجتهد مصيب لحكم الله تعالى الذي هو حكمه، وهذا التقسيم
لو رجع إلى مجرد الاصطلاح لا يتميز به ما سموه أصولاً مما سموه
فروعاً، فكيف وقد وضعوا عليه أحكاماً وضعوها بعقولهم وآرائهم (منها)
التكفير بالخطأ في مسائل الأصول دون مسائل الفروع، وهذا من أبطل
الباطل كما سنذكره (ومنها) إثبات الفروع بأخبار الآحاد دون الأصول وغير
ذلك، وكل تقسيم لا يشهد له الكتاب والسنة وأصول الشرع بالاعتبار فهو
تقسيم باطل يجب إلغاؤه.
وهذا التقسيم أصل من أصول ضلال القوم فإنهم فرقوا بين ما سموه
أصولاً وما سموه فروعاً، وسلبوا الفروع حكم الله المعين فيها، بل حكم
الله فيها يختلف باختلاف آراء المجتهدين، وجعلوا ما سموه أصولاً من
أخطأ فيه عندهم فهو كافر أو فاسق، وادعوا الإجماع على هذا التفريق،
ولا يحفظ ما جعلوه إجماعاً عن إمام من أئمة المسلمين ولا عن أحد من
الصحابة والتابعين، وهذا عادة أهل الكلام يحكون الإجماع على ما لم يقله
أحد من أئمة المسلمين، بل أئمة الإسلام على خلافه، وقال الإمام