أحمد: من ادعى الإجماع فقد كذب، أما هذه دعوى الأصم وابن علية
وأمثالها يريدون أن يبطلوا سنن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بما يدعونه من الإجماع.
ومن المعلوم قطعاً بالنصوص وإجماع الصحابة والتابعين وهو الذي
ذكره الأئمة الأربعة نصاً أن المجتهدين المتنازعين في الأحكام الشرعية
ليسوا كلهم سواء، بل فيهم المصيب والمخطئ، فالكلام فيما سموه
أصولاً وفيما سموه فروعاً، ينقسم إلى مطابق للحق في نفس الأمر وغير
مطابق، كانقسام الاعتقاد في باب الخبر إلى مطابق وغير مطابق، فالقائل
في الشيء حلال والقائل حرام في إصابة أحدهما وخطأ الآخر كالقائل إنه
سبحانه يُرى، والقائل أنه لا يُرى في إصابة أحدهما وخطأ الآخر، والكذب
على الله تعالى خطأ أو عمد في هذا كالكذب عليه عمداً أو خطأ في
الآخر، فإن المخبر يخبر عن الله أنه أمر بكذا وأباحه، والآخر يخبر أنه نهى
عنه وحرمه، فأحدهما مخطئ قطعاً.
(فإن قيل) الفرق بينهما أنه يجوز أن يكون في نفس الأمر لا حلالاً
ولا حراماً، بل هو حلال في حق من اعتقد حله، حرام في حق من اعتقد
تحريمه.
(قيل) هذا باطل من وجوه عديدة، وقد ذكرناها في كتاب المفتاح وغيره
(منها) إنه خلاف نص القرآن والسنة وخلاف إجماع الصحابة وأئمة الإسلام
(ومنها) أن يكون حكم الله تعالى تابعاً لآراء الرجال وظنونها. (ومنها) أن
يكون الشيء الواحد حسناً قبيحاً مرضياً لله مسخوطاً له محبوباً له مبغوضاً.
(ومنها) أنه ينفي حقيقة حكم الله في نفس الأمر. (ومنها) أن تكون الحقائق
تبعاً للعقائد، فمن اعتقد بطلان الحكم المعين كان باطلاً، ومن اعتقد
صحته كان صحيحاً، ومن اعتقد حله كان حلالاً، ومن اعتقد تحريمه كان