فسبحان من صرف بصر الأستاذ مع جلالته إلى هذا التأويل الذي
أوصله إلى التناقض. والله أعلم.
ولهذا فإن السبكي في: العلم المنشور ص / ٩ قد أنصف غاية
الإنصاف إذ بين تفسير الرواية: فاقدروا له. بالرواية الأخرى: فأكملوا العدة
ثلاثين يوماً.
بل جاء في رواية أبي داود لحديث ابن عمر رضي الله عنهما: أن ابن
عمر كان لا يأخذ بهذا الحساب. فهذا تفسير منه لروايته: فاقدروا له، وأنها
بمعنى الرواية الأخرى: فاقدروا له ثلاثين.
وبعد كتابة جميع ما تقدم وجدت في: المستدرك للحاكم ١ / ٤٢٣،
والسنن الكبرى للبيهقي ٤ / ٢٠٤ بسند صحيح عن ابن عمر رضي الله
عنهما أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن الله تعالى جعل الأهلة مواقيت فإذا
رأيتموه فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا فإن غم عليكم فاقدروا له، أتموه
ثلاثين " فهذه الرواية الصحيحة صريحة في تفسير المرفوع بالمرفوع ولم أر
من أشار إليها في النقض فالحمد لله على التيسير. والله أعلم.
ثانياً: نقض الاستدلال بمفهوم حديث " إنا أمة أمية لا نكتب ولا
نحسب " الحديث:
فقد علم في اللسان أن بساط المقال كبساط الحال له تأثير في
الأحكام كما علم في مسائل من الأيمان والنذور والطلاق وغيرها، فقوله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هنا: " إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب " قرنه بقوله (الشهر كذا ... )
أي مرة ٣٠ ومرة ٢٩ فهو محض خبر من النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأمته: أنها لا تحتاج
في أمر الهلال إلى كتاب ولا حساب، إذ هو إما (٣٠) يوماً أو (٢٩) يوماً.