للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بل كلهم على إثبات ما نطق الكتابُ والسنة كلمةً واحدة، من أولهم إلى

آخرهم، لم يَسُوموها تأويلاً، ولم يُحَرِّفوها عن مواضعها تبديلاً، ولم يبدوا

لشيء منها إبطالاً، ولا ضربوا لها أمثالاً، ولم يَدْفَعُوا في صدورها

وأعجازها، ولهم يقل أحد منهم يجب صرْفها عن حقائقها وحملها على

مجازها، بل تَلَقَّوها بالقَبُول والتسليم، وقابلوها بالإيمان والتعظيم، وجعلوا

الأمر فيها كلها أمراً واحداً، وأجرَوْها على سَنن واحد، ولم يفعلوا كما فعل

أهل الأهواء والبدَع حيث جعلوها عِضين، وأقروا ببعضها وأنكروا بعضها من

غير فُرْقان مبين، مع أن اللازم لهم فيما أنكروه كاللازم فيما أقروا به

وأثبتوه.

والمقصود أن أهل الإِيمان لا يُخْرِجُهم تنازعُهم في بعض مسائل

الأحكام عن حقيقة الإيمان إذا رَدُّوا ما تنازعوا فيه إلى الله ورسوله كما

شرطه الله عليهم بقوله: {فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ

وَاليَوْمِ الآخِرِ} ولا رَيْب أن الحكم المعلق على شرط ينتفي عند انتفائه.

ومنها: أن قوله: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ} نكرة في سياق الشرط تعم

كلَّ ما تنازع فيه المؤمنون من مسائل الدين دِقّّه وجِلِّه، جَلِيَه وخَفِيه، ولو

لم يكن في كتاب الله ورسوله بيانُ حكم ما تَنَازعوا فيه لم يأمر بالردّ إليه،

إذ من الممتنع أن يأمر تعالى بالرد عند النزاع إلى مَنْ لا يوجَد عنده فَصْلُ

النزاع.

ومنها: أن الناس أجمعوا أن الرد إلى الله سبحانه هو الرد إلى كتابه،

والرد إلى الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو الرد إليه نفسه في حياته وإلى سنته بعد وفاته.

ومنها: أنه جعل هذا الرد من موجِبَاتِ الإيمان ولوازمه، فإذا انْتَفى هذا

<<  <  ج: ص:  >  >>