الرد انتفى الإيمان، ضرورة انتفاء الملزوم لانتفاء لازمه، ولا سيما التلازم
بين هذين الأمرين فإنه من الطرفين، كل منهما ينتفي بانتفاء الآخر، ثم
أخبرهم أن هذا الرد خيرٌ لهم، وأن عاقبته أحْسنُ عاقبة، ثم أخبر سبحانه
أن مَنْ تحاكم أو حاكم إلى غير ما جاء به الرسولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقد حكَّم الطاغوتَ
وتحاكم إليه، والطاغوت: كُلُّ ما تجاوز به العبدُ حدَّه من معبود أو متبوع
أو مُطَاعٍ، فطاغوتُ كل قوم مَنْ يتحاكمون إليه غير الله ورسوله، أو يعبدونه
من دون الله، أو يتبعونه على غير بصيرة من الله، أو يطيعونه فيما لا يعلمون
أنه طاعة الله، فهذه طواغيت العالم إذا تأملتَها وتأملت أحوالَ الناس معها
رأيت أكثرهم (عَدَلُوا) من عبادة الله إلى عبادة الطاغوت، وعن التحاكم إلى
الله وإلى الرسول إلى التحاكم إلى الطاغوت، وعن طاعته ومتابعة رسوله
إلى طاعة الطاغوت ومتابعته، وهؤلاء لم يسلكوا طريقَ الناجينَ الفائزين من
هذه الأمة - وهم الصحابة ومن تبعهم - ولا قَصدُوا قَصْدَهم، بل خالفوهم
في الطريق والقصد معاً.
ثم أخبر تعالى عن هؤلاء بأنهم إذا قيل لهم تَعَالوا إلى ما أنزل الله
وإلى الرسول أعْرَضوا عن ذلك، ولم يستجيبوا للداعي، ورَضُوا بحكم
غيره، ثم توعَّدهم بأنهم إذا أصابتهم مصيبة في عقولهم وأديانهم وبصائرهم
وأبدانهم وأموالهم بسبب إعراضهم عما جاء به الرسولُ وتحكيم غيره
والتحاكم إليه كما قال تعالى: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ
بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ} اعتذروا بأنهم إنما قصدوا الإحسان والتوفيق، أي بفعل ما
يرضي الفريقين ويوفق بينهما كما يفعله من يروم التوفيق بين ما جاء به
الرسول وبين ما خالفه، ويزعم أنه بذلك محسن قاصد الإصلاح والتوفيق،
والإيمان إنما يقتضي إلقاء الحرب بين ما جاء به الرسول وبين كل ما خالفه
من طريقة وحقيقة وعقيدة وسياسة ورأي، فمحض الإِيمان في هذه الحرب